للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعدها، ويدعون موضعها، حتى يجيء أو يرسل إليه، فلما فرغ من المصحف كتب عثمان إلى أهل الأمصار: إني قد صنعت كذا وكذا، ومحوت ما عندي، فامحوا ما عندكم١.

وأخرج ابن أشتة٢ من طريق أيوب عن أبي قلابة مثله، وذكر ابن حجر في الفتح أن ابن داود أخرجه في المصاحف من طريق أبي قلابة.

وعن سويد بن غفلة قال: "قال علي: لا تقولوا في عثمان إلا خيرًا، فوالله ما فعل الذي فعل في المصحف إلا عن ملأ منا. قال: ما تقولون في هذه القراءة؟ قد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد يكون كفرًا، قلنا: فما ترى؟ قال: أرى أن يُجْمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف، قلنا: فنِعْمَ ما رأيت"٣.

وهذا يدل على أن ما صنعه عثمان قد أجمع عليه الصحابة، كُتِبت مصاحف على حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ليجتمع الناس على قراءة واحدة، ورد عثمان الصحف إلى حفصة، وبعث إلى كل أفق بمصحف من المصاحف. واحتبس بالمدينة واحدًا هو مصحفه الذي يسمى الإمام. وتسميته بذلك لما جاء في بعض الروايات السابقة من قوله: "اجتمعوا يا أصحاب محمد فاكتبوا للناس إمامًا" وأمر أن يُحرق ما عدا ذلك من صحيفة أو مصحف، وتلقت الأمة ذلك بالطاعة، وتركت القراءة بالأحرف الستة الأخرى، ولا ضير في ذلك. فإن القراءة بالأحرف السبعة ليست واجبة، ولو أوجب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الأمة القراءة بها جميعًا لوجب نقل كل حرف منها نقلًا


١ انظر الجزء الأول من تفسير الطبري، تحقيق وتخريج الأخوين محمد محمد شاكر وأحمد محمد شاكر طبعة دار المعارف ٦١، ٦٢.
٢ هو محمد بن عبد الله بن محمد بن أشتة، من المحققين الثقات، الذين اشتغلوا بعلوم القرآن، توفي سنة ٣٦٠ هجرية.
٣ أخرجه ابن أبي داود بسند صحيح.

<<  <   >  >>