للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويُجاب عن ذلك بأن الله تعالى قد وعد رسوله بإقراء القرآن وحفظه، وأمَّنه من النسيان في قوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} ولما كانت الآية توهم لزوم ذلك، والله تعالى فاعل مختار: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} ١, جاء الاستثناء {إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} للدلالة على أن هذا الإخبار بإقراء الرسول القرآن وتأمينه من النسيان ليس خارجًا عن إرادته تعالى، فإنه سبحانه لا يعجزه شيء، يقول الشيخ محمد عبده في تفسير الآية: "ولما كان الوعد على وجه التأبيد واللزوم، ربما يوهم أن قدرة الله لا تتسع غيره، وأن ذلك خارج عن إرادته جل شأنه، جاء بالاستثناء في قوله: {إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} فإنه إذا أراد أن ينسيك شيئًا لم يعجزه ذلك، فالقصد هو نفي النسيان رأسًا، وقالوا: إن ذلك كما يقول الرجل لصاحبه: "أنت سهيمي فيما أملك إلا ما شاء الله" لا يقصد استثناء شيء، وهو من استعمال القلة في معنى النفي، وعلى ذلك جاء الاستثناء، في قوله تعالى في سورة هود: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} ٢, أي غير مقطوع، فالاستثناء في مثل هذا للتنبيه على أن ذلك التأبيد والتخليد، بكرم من الله وسعة جوده، لا بتحتيم عليه وإيجاب، وأنه لو أراد أن يسلب ما وهب لم يمنعه من ذلك مانع.

وما ورد من أنه -صلى الله عليه وسلم- نسي شيئًا كان يذكره، فذلك إن صح، فهو في غير ما أنزل الله من الكتاب والأحكام التي أُمِرَ بتبليغها، وكل ما يقال غير ذلك فهو من مدخلات الملحدين، التي جازت على عقول المغفلين، فلوَّثوا بها ما طهَّره الله، فلا يليق بمن يعرف قدر صاحب الشريعة -صلى الله عليه وسلم- ويؤمن بكتاب الله أن يتعلق بشيء من ذلك".


١ الأنبياء: ٢٣.
٢ هود: ١٠٨.

<<  <   >  >>