للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١- فذهب بعضهم إلى أن هذا الرسم العثماني للقرآن توقيفي يجب الأخذ به في كتابة القرآن، وبالغوا في تقديسه، ونسبوا التوقيف فيه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكروا أنه قال لمعاوية, أحد كتبة الوحي: "ألق الدواة، وحرِّف القلم، وانصب الياء، وفرِّق السين، ولا تعوِّر الميم، وحسِّن الله، ومد الرحمن، وجوِّد الرحيم، وضع قلمك على أذنك اليسرى، فإنه أذكر لك" ونقل ابن المبارك عن شيخه عبد العزيز الدباغ أنه قال له: "ما للصحابة ولا لغيرهم في رسم القرآن ولا شعرة واحدة، وإنما هو توقيف من النبي وهو الذي أمرهم أن يكتبوه على الهيئة المعروفة بزيادة الألف ونقصانها لأسرار لا تهتدى إليها العقول، وهو سر من الأسرار خص الله به كتابه العزيز دون سائر الكتب السماوية. وكما أن نظم القرآن معجز فرسمه أيضًا معجز".

والتمسوا لذلك الرسم أسرارًا تجعل للرسم العثماني دلالة على معان خفية دقيقة، كزيادة "الياء" في كتابة كلمة "أيد" من قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} ١, إذ كتبت هكذا "بأييد" وذلك للإيماء إلى تعظيم قوة الله التي بنى بها السماء. وأنها لا تشبهها قوة على حد القاعدة المشهورة، وهي: زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى٢.

وهذا الرأي لم يرد فيه شيء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يكون الرسم توقيفيًّا، وإنما اصطلح الكتبة على هذا الرسم في زمن عثمان برضًا منه، وجعل لهم ضابطًا لذلك بقوله للرهط القرشيين الثلاثة: "إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم" وحين اختلفوا في كتابة "التابوت" فقال زيد: "التابوه" وقال النفر القرشيون: "التابوت" وترافعوا إلى عثمان قال: "اكتبوا "التابوت" فإنما أُنزل القرآن على لسان قريش".


١ الذاريات: ٤٧.
٢ انظر"مناهل العرفان" للزرقاني جـ٢ ص٣٧٠ وما بعدها.

<<  <   >  >>