باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني, كقول القائل: هلم، وأَقْبِل، وتعال، وإليَّ، وقصدي، ونحوي، وقُرْبي، ونحو ذلك، مما تختلف فيه الألفاظ بضروب من المنطق وتتفق فيه المعاني، وإن اختلفت بالبيان به الألسن، كالذي روينا آنفًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعمن روينا ذلك عنه من الصحابة، أن ذلك بمنزلة قولك:"هلم وتعال وأَقْبِل"، وقوله:"ما ينظرون إلا زقية" و"إلا صيحة".
وأجاب الطبري عن تساؤل مفتَرَض: ففي أي كتاب الله نجد حرفًا واحدًا مقروءًا بلغات سبع مختلفات الألفاظ متفقات المعنى؟ أجاب: بأننا لم ندع أن ذلك موجود اليوم وعن تساؤل مفترض آخر: فما بال الأحرف الأخر الستة غير موجودة؟ - بأن الأمة أُمِرَت بحفظ القرآن, وخُيِّرت في قراءته وحفظه بأي تلك الأحرف السبعة شاءت كما أُمِرَت، ثم دعت الحاجة إلى التزام القراءة بحرف واحد مخافة الفتنة في زمن عثمان، ثم اجتمع أمر الأمة على ذلك، وهي معصومة من الضلالة١.
ويُجاب عن الرأي الثالث "جـ" الذي يرى أن المراد بالأحرف السبعة سبعة أوجه: من الأمر، والنهي والحلال، والحرام، والمُحْكم، والمتشابه، والأمثال - بأن ظاهر الأحاديث يدل على أن المراد بالأحرف السبعة أن الكلمة تقرأ على وجهين أو ثلاثة إلى سبعة توسعة للأمة، والشيء الواحد لا يكون حلالًا وحرامًا في آية واحدة، والتوسعة لم تقع في تحريم حلال، ولا تحليل حرام، ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة.
والذي ثبت في الأحاديث السابقة أن الصحابة الذين اختلفوا في القراءة احتكموا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فاستقرأ كل رجل منهم، ثم صوب جميعهم في قراءتهم على اختلافها، حتى ارتاب بعضهم لتصويبه إياهم، فقال صلى الله عليه وسلم للذي ارتاب منهم عند تصويبه جميعهم:"إن الله أمرني أن أقرأ على سبعة أحرف".