الراجح ونسبته إلى الله تعالى نسبة لمضمونه لا نسبة لألفاظه، ولو كان لفظه من عند الله لما كان هناك فرق بينه وبين القرآن، ولوقع التحدي بأسلوبه والتعبد بتلاوته.
ويرد على هذا شبهتان!
الشبهة الأولى: أن الحديث النبوي وحي بالمعنى كذلك، واللفظ من الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلماذا لا نسميه قدسيًّا أيضًا؟
والجواب: أننا نقطع في الحديث القدسي بنزول معناه من عند الله لورود النص الشرعي على نسبته إلى الله بقوله, صلى الله عليه وسلم:"قال الله تعالى، أو يقول الله تعالى" ولذا سميناه قدسيًّا، بخلاف الأحاديث النبوية فإنها لم يرد فيها مثل هذا النص، ويجوز في كل واحد منها أن يكون مضمونه معلَّمًا بالوحي "أي توقيفيًّا" وأن يكون مستنبطًا بالاجتهاد "أي توفيقيًّا" ولذا سمينا الكل نبويًّا وقوفًا بالتسمية عند الحد المقطوع به، ولو كان لدينا ما يميز الوحي التوقيفي لسميناه قدسيًّا كذلك.
الشبهة الثانية: أنه إذا كان لفظ الحديث القدسي من الرسول -صلى الله عليه وسلم- فما وجه نسبته إلى الله بقوله, صلى الله عليه وسلم:"قال الله تعالى، أو يقول الله تعالى".
والجواب: أن هذا سائغ في العربية، حيث ينسب الكلام باعتبار مضمونه لا باعتبار ألفاظه، فأنت تقول حينما تنثر بيتًا من الشعر: يقول الشاعر كذا، وحينما تحكي ما سمعته من شخص: يقول فلان كذا، وقد حكى القرآن الكريم عن موسى وفرعون وغيرهما مضمون كلامهم بألفاظ غير ألفاظهم، وأسلوب غير أسلوبهم، ونسب ذلك إليهم: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ, قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ, قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ, وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ, وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ