الأعلى، ليُلقي إليها برسالاته التي تسد حاجة البشر في رقي وجدانه، وسمو أخلاقه، واستقامة نظامه، وهؤلاء هم رسله وأنبياؤه.
ولا غرابة في أن يكون هذا الاتصال بالوحي السماوي.
فالناس اليوم يشاهدون التنويم المغناطيسي، وهو يوضح لهم أن اتصال النفس الإنسانية بقوة أعلى منها يُحدث أثرًا يُقرِّب إلى الأفهام ظاهرة الوحي؛ حيث يستطيع الرجل القوي الإرادة أن يتسلط بإرادته على من هو أضعف منه فينام نومًا عميقًا، ويكون رهن إشارته، ويُلَقِّنه ما يريد فيجري على قلبه ولسانه، وإذا كان هذا فعل الإنسان بالإنسان فما ظنك بمن هو أشد منه قوة؟ ١.
ويسمع الناس الأحاديث المسجلة التي تحملها اليوم موجات الأثير، عابرة الوهاد والنجاد، والسهول والبحار، دون رؤية ذويها، بل بعد وفاتهم.
وأصبح الرجلان يتخاطبان في الهاتف، أحدهما في أقصى المشرق، والآخر في أقصى المغرب، وقد يتراءيان مع هذا التخاطب، ولا يسمع الجالسون بجانبهما شيئًا سوى أزيز كدوي النحل الذي في صفة الوحي.
ومَن منا ليس له حديث نفس في يقظته أو منامه يدور في خلده دون أن يرى متكلمًا أمامه؟
هذه وغيرها أمثلة تفسر لعقولنا حقيقة الوحي.
وقد شاهد الوحي معاصروه، ونُقِلَ بالتواتر المستوفي لشروطه بما يفيد العلم القطعي إلى الأجيال اللاحقة، ولمست الإنسانية أثره في حضارة أمته، وقوة أتباعه، وعزتهم ما استمسكوا به وانهيار كيانهم وخذلانهم ما فرَّطوا في جنبه، مما لا يدع مجالًا للشك في إمكان الوحي وثبوته. وضرورة العودة إلى الاهتداء به إطفاء للظمأ النفسي بِمُثُلِهِ العليا، وقيمه الروحية.