للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستدلالهم هذا فاسد؛ لأن كُلًّا من حكمة الناسخ وحكمة المنسوخ معلوم لله تعالى من قبل، فلم يتجدد علمه بها. وهو سبحانه ينقل العباد من حكم إلى حكم لمصلحة معلومة له من قبل بمقتضى حكمته وتصرفه المطلق في ملكه.

واليهود أنفسهم يعترفون بأن شريعة موسى ناسخة لما قبلها. وجاء في نصوص التوراة النسخ، كتحريم كثير من الحيوان على بني إسرائيل بعد حِلِّه قال تعالى في إخباره عنهم: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائيلُ عَلَى نَفْسِهِ} ١.

وقال: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي} ٢ ... الآية.

وثبت في التوراة أن آدم كان يزوج من الأخت. وقد حرم الله ذلك على موسى، وأن موسى أمر بني إسرائيل أن يقتلوا مَن عبد منهم العجل ثم أمرهم برفع السيف عنهم.

٢- الروافض: وهؤلاء غلوا في إثبات النسخ وتوسعوا فيه، وأجازوا البَدَاء على الله تعالى، فهم مع اليهود على طرفي نقيض، واستدلوا على ذلك بأقوال نسبوها إلى علي -رضي الله عنه- زورًا وبهتانًا، وبقوله تعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} ٣, على معنى أنه يظهر له المحو والإثبات.

وذلك إغراق في الضلال. وتحريف للقرآن. فإن معنى الآية: ينسخ الله ما يستصوب نسخه ويثبت بدله ما يرى المصلحة في إثباته، وكل من المحو والإثبات موجود في كثير من الحالات، كمحو السيئات بالحسنات: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} ٤، ومحو كفر التائبين ومعاصيهم بالتوبة وإثبات إيمانهم وطاعتهم، ولا يلزم من ذلك الظهور بعد الخفاء، بل يفعل الله هذا مع علمه به قبل كونه.


١ آل عمران: ٩٣.
٢ الأنعام: ١٤٦.
٣ الرعد: ٣٩.
٤ هود: ١١٤.

<<  <   >  >>