للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهناك معنى رابع ذهب إليه علماء البيان في تعريف المثل فهو عندهم: المجاز المركب الذي تكون علاقته المتشابهة متى فشا استعماله. وأصله الاستعارة التمثيلية. كقولك للمتردد في فعل أمر: "ما لي أراك تُقدِّم رجلًا وتؤخر أخرى".

وقيل في ضابط المثل كذلك: إنه إبراز المعنى في صورة حسية تكسبه روعة وجمالًا. والمثل بهذا المعنى لا يشترط أن يكون له مورد، كما لا يُشترط أن يكون مجازًا مركبًا.

وإذا نظرنا إلى أمثال القرآن التي يذكرها المؤلفون وجدنا أنهم يوردون الآيات المشتملة على تمثيل حال أمر بحال أمر آخر، سواء أورد هذا التمثيل بطريق الاستعارة، أم بطريق التشبيه الصريح، أو الآيات الدالة على معنى رائع بإيجاز، أو التي يصح استعمالها فيما يشبه ما وردت فيه، فإن الله تعالى ابتدأها دون أن يكون لها مورد من قبل.

فأمثال القرآن لا يستقيم حملها على أصل المعنى اللغوي الذي هو الشبيه والنظير، ولا يستقيم حملها على ما يذكر في كتب اللغة لدى من ألَّفوا في الأمثال، إذ ليست أمثال القرآن أقوالًا استعملت على وجه تشبيه مضربها بموردها، ولا يستقيم حملها على معنى الأمثال عند علماء البيان فمن أمثال القرآن ما ليس باستعارة وما لم يفش استعماله. ولذا كان الضابط الأخير أليق بتعريف المثل في القرآن: فهو إبراز المعنى في صورة رائعة موجزة لها وقعها في النفس، سواء أكانت تشبيهًا أو قولًا مرسلًا.

فابن القيم يقول في أمثال القرآن: تشبيه شيء بشيء في حكمه، وتقريب المعقول من المحسوس، أو أحد المحسوسين من الآخر واعتبار أحدهما بالآخر. ويسوق الأمثلة: فتجد أكثرها على طريقة التشبيه الصريح كقوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ} ١، ومنها ما يجيء على


١ يونس: ٢٤.

<<  <   >  >>