للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما يدل على أن الرؤية الصالحة للأنبياء في المنام وحي يجب اتباعه ما جاء في قصة إبراهيم من رؤيا ذبحه لولده إسماعيل١: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ, فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ, فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ, وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ, قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ, إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ, وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ, وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ, سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ, كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ, إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ, وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} ٢.. ولو لم تكن هذه الرؤيا وحيًا يجب اتباعه لما أقدم إبراهيم عليه السلام على ذبح ولده لولا أن منَّ الله عليه بالفداء.

الرؤيا الصالحة ليست خاصة بالرسول، فهي باقية للمؤمنين، وإن لم تكن وحيًا، قال عليه الصلاة والسلام: "انقطع الوحي وبقيت المبشرات، رؤيا المؤمن" ٣.

والرؤيا الصالحة في المنام للأنبياء هي القسم الأول من أقسام التكليم الإلهي المذكور في قوله تعالى:

{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} ٤.

ب- ومنه الكلام الإلهي من وراء حجاب بدون واسطة يقظة، وهو ثابت لموسى عليه السلام {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} ٥، {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} ٦.


١ هذا هو الصواب، خلافًا لمن ذهب إلى أنه إسحاق، فإن البشارة كانت أولًا بإسماعيل قبل إسحاق، وإسماعيل هو الذي نشأ في الجزيرة العربية حيث كانت قصة الذبح، وهو الحري بأن يوصف بالحلم، وقد ذهب اليهود إلى أنه "إسحاق" حقدًا وحسدًا، لأنه أبوهم، وإسماعيل أبو العرب، والقرآن يرده لأنه لما ذكر البشارة بغلام حليم ذكر أنه الذبيح ثم قال بعد ذلك: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: ١١٢] .
٢ الصافات: ١٠١، ١٢٢.
٣ أصل الحديث في الصحيحين وغيرهما، ولفظ البخاري: "لم يبق من النبوة إلا المبشرات" قالوا: وما المبشرات؟ قال: "الرؤيا الصالحة".
٤ الشورى: ٥١.
٥ الأعراف: ١٤٣.
٦ النساء: ١٦٤.

<<  <   >  >>