للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

روحانيته، ولا يعني أن ذاته انقلبت رجلًا، بل المراد أنه يظهر بتلك الصورة البشرية أُنْسًا للرسول البشري، ولا شك أن الحالة الأولى -حالة الصلصلة- لا يوجد فيها هذا الإيناس، وهي تحتاج إلى سمو روحي من رسول الله يتناسب مع روحانية المَلَكِ فكانت أشد الحالتين عليه، لأنها كما قال ابن خلدون: "انسلاخ من البشرية الجسمانية واتصال بالمَلَكِيَّةِ الروحانية، والحالة الأخرى عكسها لأنها انتقال المَلَكِ من الروحانية المحضة إلى البشرية الجسمانية".

وكلتا الحالتين مذكور فيما رُوِيَ عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا رسول الله.. كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشد عليَّ، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانًا يتمثل لي المَلَكُ رجلًا فيكلمني فأعي ما يقول".

وروت عائشة رضي الله عنها ما كان يصيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من شدة فقالت: "ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقًا"١.

والحالتان هما القسم الثالث من أقسام التكليم الإلهي المشار إليه في الآية: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ

١- إِلَّا وَحْيًا

٢- أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ

٣- أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} ٢..

أما النفث في الرُّوع -أي القلب- فقد ذُكِرَ في قول الرسول, صلى الله عليه وسلم: "إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلب" ٣. والحديث لا يدل على أنه حالة مستقلة,


١ رواه البخاري.
٢ الشورى: ٥١.
٣ رواه أبو نعيم في الحلية بسند صحيح.

<<  <   >  >>