للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أسوق بعض أمثلة، توضح مرامي كاتب هذه الرسالة وكيفية بنائها" ثم أورد الأستاذ "أحمد أمين" أمثلة منتزعة من الرسالة تشهد بما وصفها به من هذه العبارة المجملة١. كادعاء صاحب الرسالة أن القصة في القرآن لا تلتزم الصدق التاريخي. وإنما تتجه كما يتجه الأديب في تصوير الحادثة تصويرًا فنيًّا، وزعمه أن القرآن يختلق بعض القصص وأن الأقدمين أخطئوا في عد القصص القرآني تاريخًَا يعتمد عليه.

والمسلم الحق هو الذي يؤمن بأن القرآن كلام الله، وأنه منزه عن ذلك التصوير الفني الذي لا يعنى فيه بالواقع التاريخي، وليس قصص القرآن إلا الحقائق التاريخية تصاغ في صور بديعة من الألفاظ المنتقاة، والأساليب الرائعة.

ولعل صاحب الرسالة درس فن القصة في الأدب, وأدرك من عناصرها الأساسية الخيال الذي يعتمد على التصور، وأنه كلما ارتقى خيالها ونأى عن الواقع كثر الشوق إليها، ورغبت النفس فيها، واستمتعت بقراءتها، ثم قاس القصص القرآني على القصة الأدبية.

وليس القرآن كذلك، فإنه تنزيل من عليم حكيم، ولا يرد في أخباره إلا ما يكون موافقًا للواقع، وإذا كان الفضلاء من الناس يتورعون من أن يقولوا زورًا ويعدونه من أقبح الرذائل المزرية بالإنسانية، فكيف يسوغ لعاقل أن يلصق الزور بكلام ذي العزة والجلال؟

والله تعالى هو الحق: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} ٢.

وأرسل رسوله بالحق: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً} ٣.


١ انظر نقد كتاب "الفن القصصي في القرآن" - للأستاذ محمد الخضر حسين- بلاغة القرآن ص٩٤.
٢ الحج: ٦٢.
٣ فاطر: ٢٤.

<<  <   >  >>