ولم يصل إلينا من تفاسيرهم شيء، وإنما رُوي ما نقل مسندًا إليهم في كتب التفسير بالمأثور.
جاء بعد هؤلاء مَن أفرد التفسير بالتأليف وجعله علمًا قائمًا بنفسه منفصلًا عن الحديث. ففسر القرآن حسب ترتيب المصحف. وذلك كابن ماجه المتوفى سنة ٢٧٣ هجرية، وابن جرير الطبري المتوفى سنة ٣١٠ هجرية، وأبو بكر بن المنذر النيسابوري المتوفى سنة ٣١٨ هجرية. وابن أبي حاتم المتوفى سنة ٣٢٧ هجرية، وأبو الشيخ بن حبان المتوفى سنة ٣٦٩ هجرية، والحاكم المتوفى سنة ٤٠٥ هجرية، وأبو بكر بن مردويه المتوفى سنة ٤١٠ هجرية.
وتفاسير هؤلاء مروية بالإسناد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإلى الصحابة والتابعين، وأتباع التابعين مع الترجيح أحيانًا فيما يُروى من آراء، واستنباط بعض الأحكام، والإعراب عند الحاجة، كما فعل ابن جرير الطبري.
ثم جاء على أثر هؤلاء جماعة من المفسرين لم يتجاوزوا حدود التفسير بالمأثور، ولكنهم اختصروا الأسانيد، وجمعوا شتات الأقوال دون أن ينسبوها إلى قائليها، وبهذا التبس الأمر، ولم يتميز الصحيح من السقيم.
اتسعت العلوم، وتم تدوينها، وتشعبت فروعها، وكثر الاختلاف، وأثيرت مسائل الكلام، وظهر التعصب المذهبي، واختلطت علوم الفلسفة العقلية بالعلوم النقلية، وحرصت الفرق الإسلامية على دعم مذهبها فأصاب التفسير من هذا الجو غباره، وأصبح المفسرون يعتمدون في تفسيرهم على الفهم الشخصي،، ويتجهون اتجاهات متعددة، وتحكمت فيهم الاصطلاحات العلمية، والعقائد المذهبية، والثقافة الفلسفية، واهتم كل واحد من المفسرين بحشوه بما برز فيه من العلوم الأخرى، فصاحب العلوم العقلية يُعنى في تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة كفخر الدين الرازي. وصاحب الفقه يُعنى بالفروع الفقهية كالجصاص والقرطبي، وصاحب التاريخ يُعنى بالقصص والأخبار كالثعلبي والخازن، وصاحب البدعة يؤول كلام الله على مذهبه الفاسد، كالرماني والجبائي،