للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السبحانية، ويسمى هذا بالتفسير الإشاري، فللآية ظاهر وباطن، والظاهر: هو الذي ينساق إليه الذهن قبل غيره، والباطن هو: ما وراء ذلك من إشارات خفية تظهر لأرباب السلوك، وهذا التفسير الإشاري كذلك إذا أوغل في الإشارات الخفية صار ضربًا من التجهيل، ولكنه إذا كان استنباطًا حسنًا يوافق مقتضى ظاهر العربية وكان له شاهد يشهد لصحته من غير معارض، فإنه يكون مقبولًا.

ومن ذلك ما رُوِي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "كان عمر يُدخلني مع أشياخ بدر: فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لِمَ تُدخِل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه مَن حيث علمتم، فدعاه ذات يوم فأدخله معهم. فما رُئيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم، قال: ما تقولون في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ١؟ فقال بعضهم: أُمْرِنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا، فقال لي: أكذلك تقول يابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجَلُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعلمه له، قال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ، وذلك علامة أجلك، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} ٢,فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول"٣.

قال ابن القيم: "وتفسير الناس يدور على ثلاثة أصول: تفسير على اللفظ، وهو الذي ينحو إليه المتأخرون، وتفسير على المعنى: وهو الذي يذكره السلف، وتفسير على الإشارة: وهو الذي ينحو إليه كثير من الصوفية وغيرهم، وهذا لا بأس به بأربعة شروط:

١- ألَّا يناقض معنى الآية.

٢- وأن يكون معنًى صحيحًا في نفسه.


١ النصر: ١.
٢ النصر: ٣.
٣ أخرجه البخاري.

<<  <   >  >>