للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنهما أزمنة، وبعثته على تتبع مظانها همة في معرفة لطائف حجة الله، وحرص على استيضاح معجزة رسول الله، بعد أن يكون آخذًا من سائر العلوم بحظ، جامعًا بين أمرين: تحقيق وحفظ، كثير المطالعات، طويل المراجعات، قد رجع زمانًا ورجع إليه. ورد عليه، فارسًا في علم الإعراب، مقدمًا في حملة الكتاب. وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها، مستقل القريحة وقَّادها".

ويحلل ابن خلدون كتاب الكشاف للزمخشري في قوله عند الحديث عما يرجع إليه التفسير من معرفة اللغة والإعراب والبلاغة: "ومن أحسن ما اشتمل عليه هذا الفن من التفاسير، كتاب الكشاف للزمخشري، من أهل خوارزم العراق، إلا أن مؤلفه من أهل الاعتزال في العقائد، فيأتي بالحِجاج على مذاهبهم الفاسدة، حيث تعرض له في آي القرآن من طريق البلاغة، فصار بذلك للمحققين من أهل السٌّنَّة انحراف عنه، وتحذير للجمهور من مكامنه، مع إقرارهم برسوخ قدمه فيما يتعلق باللسان والبلاغة، وإذا كان الناظر فيه واقفًا مع ذلك على المذاهب السُّنية، محسنًا للحِجاج عنها، فلا جَرَمَ أنه مأمون من غوائله، فلتغتنم مطالعته لغرابة فنونه في اللسان، ولقد وصل إلينا في هذه العصور تأليف لبعض العراقيين، وهو شرف الدين الطيبي من أهل توريز من عراق العجم، شرح فيه كتاب الزمخشري هذا، وتتبع ألفاظه، وتعرض لمذاهبه في الاعتزال بأدلة تزيفها، وتبيِّن أن البلاغة إنما تقع في الآية على ما يراه أهل السٌّنَّة، لا على ما يراه المعتزلة، فأحسن في ذلك ما شاء، مع إمتاعه في سائر فنون البلاغة، وفوق كل ذي علم عليم"١.


١ مقدمة ابن خلدون، ص٤٩١.

<<  <   >  >>