للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقرطبي في تفسيره لم يقتصر على آيات الأحكام وإنما يفسر القرآن الكريم تباعًا، فيذكر سبب النزول، ويعرض للقراءات والإعراب، ويشرح الغريب من الألفاظ، ويضيف الأقوال إلى قائليها، ويضرب صفحًا عن كثير من قصص المفسرين، وأخبار المؤرخين، وينقل عن العلماء السابقين الموثوقين. ولا سيما من ألَّف منهم في كتب الأحكام، فينقل عن ابن جرير الطبري، وابن عطية، وابن العربي، والكيا الهراس، وأبي بكر الجصاص.

ويفيض القرطبي في بحث آيات الأحكام، فيذكر مسائل الخلاف، ويسوق أدلة كل رأي، ويعلق عليها، ولا يتعصب لمذهبه المالكي، ففي تفسير قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} ١, يقول في المسألة الثانية عشرة من مسائل هذه الآية بعد أن ذكر خلاف العلماء في حكم مَن أكل في نهار رمضان ناسيًا وما نُقِل عن مالك من أنه يفطر وعليه القضاء يقول: "وعند غير مالك ليس بمفطر كل من أكل ناسيًا لصومه، قلت: وهو الصحيح، وبه قال الجمهور إن مَن أكل أو شرب ناسيًا فلا قضاء عليه، وأن صومه تام، لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "إذا أكل الصائم ناسيًا أو شرب ناسيًا فإنما هو رزق ساقه الله تعالى إليه، ولا قضاء عليه" ٢, فأنت ترى أنه بهذا يخالف مذهبه، وينصف الآخرين.

ويرد القرطبي على الفرق، فيرد على المعتزلة، والقدرية، والروافض، والفلاسفة، وغلاة المتصوفة، ولكن بأسلوب مهذب كذلك، ويدفعه الإنصاف إلى الدفاع عمن يهاجمهم ابن العربي من المخالفين أحيانًا – ويلومه على ما يصدر منه من عبارات قاسية على علماء المسلمين. وحين ينقد يكون نقده نزيهًا في أدب وعفة.

وقد كان كتاب "الجامع لأحكام القرآن" مفقودًا من المكتبات حتى قامت دار الكتب المصرية بطبعه أخيرًا فيسَّرت الحصول عليه للقارئين.


١ البقرة: ١٨٧.
٢ انظر جـ٢ ص٣٢٢.

<<  <   >  >>