للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولو بمكة، أو عرفة: مدني، كالذي نزل عام الفتح، كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّواْ الأمَانَات إلَى أهْلِهَا} ١, فإنها نزلت بمكة في جوف الكعبة عام الفتح الأعظم، أو نزل بحجة الوداع كقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا} ٢, وهذا الرأي أولى من الرأيين بعده لحصره واطراده.

الثاني: اعتبار مكان النزول، فالمكي: ما نزل بمكة وما جاورها كمِنى وعرفات والحديبية. والمدني: ما نزل بالمدينة وما جاورها كأُحد وقُباء وسلع.

ويترتب على هذا الرأي عدم ثنائية القسمة وحصرها، فما نزل بالأسفار أو بتبوك أو ببيت المقدس لا يدخل تحت القسمة٣، فلا يسمى مكيًّا ولا مدنيًّا، كما يترتب عليه كذلك أن ما نزل بمكة بعد الهجرة يكون مكيًّا.

الثالث: اعتبار المخاطَب، فالمكي: ما كان خطابًا لأهل مكة، والمدني: ما كان خطابًا لأهل المدينة.

وينبني على هذا الرأي عند أصحابه أن ما في القرآن من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} مكي، وما فيه من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الذَّيِنَ آمَنُواُ} مدني.

وبالملاحظة يتبين أن أكثر سور القرآن لم تُفْتَتَحْ بأحد الخطابين، وأن هذا الضابط لا يطرد، فسورة البقرة مدنية، وفيها: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ٤.. وقوله


١ النساء: ٥٨.
٢ في الصحيح عن عمر أنها نزلت عشية عرفة يوم الجمعة عام حجة الوداع [والآية من سورة المائدة: ٣] .
٣ فسورة "الفتح" نزلت بالسفر، وقوله تعالى في سورة التوبة: ٤٢: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ} نزل بتبوك، وقوله: {وَاسْألْ مَنْ أرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُّسُلِنَا} في سورة الزخرف: ٤٥، نزل ببيت المقدس ليلة الإسراء.
٤ البقرة: ٢١.

<<  <   >  >>