للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٩- وأخرج مسلم عن ابن عباس قال:"آخر سورة نزلت: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ١", وحُمل ذلك على أن هذه السورة آخر ما نزل مُشعرًا بوفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- كما فهم بعض الصحابة، أو أنها آخر ما نزل من السور.

وهذه الأقوال ليس فيها شيء مرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وكل قال بضرب من الاجتهاد وغلبة الظن، ويحتمل أن كلًّا منهم أخبر عن آخر ما سمعه من الرسول، أو قال ذلك باعتبار آخر ما نزل في تشريع خاص، أو آخر سورة نزلت كاملة على النحو الذي خرجنا به كل قول منها.

أما قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا} ٢, فإنها نزلت بعرفة عام حجة الوداع، ويدل ظاهرها على إكمال الفرائض والأحكام، وقد سبقت الإشارة إلى ما رُوِي في نزول آية الربا، وآية الدَّيْن، آية الكَلالة، وغيرها بعد ذلك. لذا حمل كثير من العلماء إكمال الدين في هذه الآية على أن الله أتم عليهم نعمته بتمكينهم من البلد الحرام، وإجلاء المشركين عنه، وحجهم وحدهم دون أن يشاركهم في البيت الحرام أحد من المشركين، وقد كان المشركون يحجون معهم من قبل وذلك من تمام النعمة: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} قال القاضي أبو بكر الباقلاني في "الانتصار" مُعلقًا على اختلاف الروايات في آخر ما نزل: "هذه الأقوال ليس فيها شيء مرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ويجوز أن يكون قاله قائله بضرب من الاجتهاد وغلبة الظن، ويحتمل أن كلًّا منهم أخبر عن آخر ما سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم- في اليوم الذي مات فيه أو قبل مرضه بقليل، وغيره سمع منه بعد ذلك وإن لم يسمعه هو، ويحتمل أيضًا أن تنزل هذه الآية التي هي آخر آية تلاها الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع آيات نزلت معها فيؤمر برسم ما نزل معها بعد رسم تلك، فيظن أنه آخر ما نزل في الترتيب"٣.


١ أي: سورة النصر.
٢ المائدة: ٣.
٣ انظر الإتقان جـ١ ص٢٧. ونص العبارة الأخيرة في الزركشي: "فيؤمر برسم ما نزل معها وتلاوتها عليهم بعد رسم ما نزل آخرًا وتلاوته، فيظن سامع ذلك أنه آخر ما نزل في الترتيب" انظر البرهان جـ١ ص٢١٠، وفي نقل "الإتقان" شيء من التحريف.

<<  <   >  >>