للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومثله آية: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} ١, فإن ظاهر لفظ الآية لا يقتضي أن السعي فرض، لأن رفع الجُناح يفيد الإباحة لا الوجوب، وذهب بعضهم إلى هذا تمسكًا بالظاهر٢، وقد ردت عائشة على عروة بن الزبير في فهمه ذلك بما ورد في سبب نزولها، وهو أن الصحابة تأثموا من السعي بينهما لأنه من عمل الجاهلية، حيث كان على الصفا أساف، وعلى المروة نائلة، وهما صنمان، وكان أهل الجاهلية إذا سعوا مسحوهما: "عن عائشة أن عروة قال لها: أرأيت قول الله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فما أرى على أحد جُناحًا أن لا يطوف بهما؟ فقالت عائشة: بئس ما قلت يابن أختي، إنها لو كانت على ما أوَّلتها كانت: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، ولكنها إنما أنزلت، أن الأنصار قبل أن يسلموا كانوا يُهلُّون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها، وكان من أهلَّ لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة في الجاهلية، فأنزل الله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} ... الآية. قالت عائشة: ثم قد بيَّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الطواف بهما، فليس لأحد أن يدع الطواف بهما"٣.

هـ- ويوضح سبب النزول مَن نزلت فيه الآية حتى لا تُحمل على غيره بدافع الخصومة والتحامل، كالذي ذُكِرَ في قوله تعالى: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} ٤, فقد أراد "معاوية" أن يستخلف "يزيد" وكتب إلى "مروان" عامله على المدينة بذلك، فجمع الناس وخطبهم ودعاهم إلى بيعة "يزيد" فأبى


١ البقرة: ١٥٨.
٢ حكى الزمخشري في الكشاف عن أبي حنيفة أنه يقول: إن السعي واجب وليس بركن وعلى تاركه دم - وقد ذهب إلى عدم الوجوب ابن عباس وابن الزبير وأنس بن مالك وابن سيرين.
٣ أخرجه الشيخان وغيرهما.
٤ الأحقاف: ١٧.

<<  <   >  >>