للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاصطدام به، وذلك بأن يقذف عليه عن بعد قطعًا من حجارة أو خشب أو معدن, أو بأن يمسك بطرف عصا ويدفعه عنه, أو يضربه بطرفها الآخر, وقد كان لهذا الأسلوب الجديد أثران كبيران في حياة الإنسان:

أحدهما: أنه يضطره إلى الوقوف على رجلين اثنين في أثناء دفاعه عن نفسه, ومن تكرار هذه الوقفة أخذت قامته تعتدل شيئًا فشيئًا حتى استوى القسم الأعلى من جسمه مع أطرافه السفلى، وأخذت عادة المشي على أربع تضعف بالتدريج حتى انقرضت "وإن كانت تظهر في بعض مراحل الطفولة الإنسانية وفقًا لقوانين الوراثة النوعية التي تقضي بأن يجتاز الطفل في سبيله من الطفولة إلى الرجولة المراحل نفسها التي اجتازها النوع في سبيله من الحيوانية إلى الإنسانية ومن الوحشية إلى الحضارة".

وثانيهما: وهو الذي يهمنا في موضوعنا, أن هذا الأسلوب الدفاعي قد أعفى الإنسان من استخدام فكه وأسنانه في الدفاع عن نفسه، فتعطلت هذه الأعضاء عن القيام بجزء كبير من وظيفتها، ونجم عن ذلك تقلص العضلات والعظام الصدغية التي تتحرك مع الفم، وترتب على هذا التقلص أن اتسع مجال النمو للجمجمة، فزاد حجمها عما كان عليه، وباتساع حجم الجمجمة اتسع مجال النمو للمخ؛ فزاد حجمه, ونشأت به مراكز جديدة لم تكن به من قبل، من أهمها مراكز اللغة التي نحن بصدد الكلام عنها.

ولتأييد هذا الأثر الأخير، قام العلامة أنتوني Anthony بتجربة على عدد من الجراء "الكلاب الصغيرة" وذلك بأن استأصل جزءًا من عضلاتها وعظامها الصدغية، وتتبع نمو جماجمها بعد هذه العملية، فتبين له أنها أخذن تتسع أكثر من المعتاد.

وقد تصدى كثير من العلماء المحدثين للتحري عن هذه الحقائق، فثبت لهم فسادها من نواحٍ كثيرة, لا يهمنا منها الآن إلّا الناحية المتعلقة

<<  <   >  >>