للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بنشأة مراكز اللغة؛ فقد ظهر لهم بهذا الصدد أن تعطيل الفك والأسنان وإن نجم عنه اتساع في الجمجة, لا يترتب عليه مطلقًا اتساع في المخ, أواختلاف في تعاريجه وشكل تكونه, والتجربة التي قام بها أنتوني تدل هي نفسها على صحة ذلك, فقد ظهر له أن جماجم الجراء قد انحصرت عن أمخاخها، بدليل أن الآثار التي تنطبع عليها من ملاصقتها للمخ قد انمحت؛ فاتساع الجمجمة الناجم عن تقلص عضلات الصدغ وعظامه لا يتبعه أذن اتساع في حجم المخ, أو نشأة مراكز جديدة كما يزعم دارون.

وكثيرًا ما تتسع الجمجمة عند بعض الناس اتساعًا غير عاديّ لسبب آخر غير تقلص عضلات الصدغ وعظامه، ولكن لم يحدث مطلقًا في حالة من حالات هذا الاتساع أن زاد حجم المخ أو تغيرت صورته. وعلى العكس من ذلك نمو المخ نفسه؛ فإنه يرغم الجمجمة على الاتساع, ويشكلها بالشكل الذي يتفق مع نموه, فإن قاومته، بأن كان عظم اليافوخ١ قد اشتد قبل أوانه، تغلب على مقاومتها وشق لنفسه طريقًا على أي وجه, فأحيانًا يدفعها إلى الأمام فينشأ الشخص بارز الجبهة، وأحيانًا يدفعها إلى الخلف فينشأ الشخص أحدب الرأس، وأحيانًا يدفعها إلى أعلى فينشأ مسنم الرأس، وأحيانًا يدفعها من ناحيتين أو أكثر فينشأ مدنخ الرأس٢ ... وهكذا, فالطريق الطبيعي للارتقاء، إن كان ثَمَّ ارتقاء، هو أن يتسع المخ أولًا وتوجد فيه مراكز لم تكن موجودة من قبل, ويتبع ذلك اتساع في الجمجمة، لا أن تتسع الجمجمة أولًا ويتبعها اتساع المخ كما يقول دارون ومن نحا نحوه.

على أن الارتقائيين لم يكونوا في حاجة إلى هذه الفروض التعسفية لتعليل نشأة مراكز اللغة بطريقة تتفق مع مبادئهم؛ فقد كان


١ حيث يلتقي عظم مقدم الرأس بعظم مؤخرة وهو الذي يكون لينًا في الصبي.
٢ "رجل مدنخ الرأس: في رأسه ارتفاع وانخفاض", "المخصص لابن سيده جزء أول ص٦٢". "والمدنخ كمحدث -بتشديد الدال المكسورة: من في رأسه ارتفاع أو انخفاض, "القاموس المحيط", والعامة تقول شخص برأسين، أو برءوس.

<<  <   >  >>