للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أشرنا فيما سبق إلى أن كثيرًا من العلماء يرى أن المراحل التي يجتازها الطفل في مظهر ما من مظاهر حياته تمثل المراحل التي اجتازها النوع الإنساني في هذا المظهر١.

وأما فيما يتعلق بلغات الأمم البدائية: فقد لوحظ في كثير منها, أن الأصوات المبهمة وأصوات المد تفوق كثيرًا الأصوات الساكنة في كميتها وأهميتها في الدلالة٢, وقد تقدَّم أن هذه الأمم -لبعدها عن تيارات الحضارة وبقائها بمعزل عن أسباب النهضات الاجتماعية- تمثل إلى حد كبير الأساليب الإنسانية في عهودها الأولى٣.

وليس من بين هذه الأدلة ما يمكن عده برهانًا قاطعًا على صحة هذه النظرية, بل إن معظم المحدثين من علماء اللغة يقطعون بفسادها, وحجتهم في ذلك أنه لا يوجد من بين اللغات الإنسانية المعروفة -سواء في ذلك اللغات الحية والميتة، الراقية والساذجة- لغة خالية من أصوات اللين أو من الأصوات الساكنة, وأنه من المتعذر تصور لغة إنسانية عارية عن أحد هذين النوعين, هذا إلى أن ظهور الأصوات ذات المقاطع "الأصوات الساكنة" في لغة الإنسان, لم يكن ليتوقف على ارتقاء في لغته, أو على تطور صوتي, أو على مراحل يجتازها في هذا السبيل, كما يزعم أصحاب هذه النظرية؛ لأن الأصوات ذات المقاطع توجد عند كثير من فصائل الحيوانات نفسها، كما سبقت الإشارة إلى ذلك٤.

وبعضهم نظر إلى الموضوع من ناحية مفردات اللغة ودلالة بعضها


١ انظر أول صفحة ١٠٦ وتعليقها الأول.
٢ ففي لغات القيجيين والهوتنتوت ولغات بعض قبائل من السكان الأصليين لأمريكا الشمالية تكثر الأصوات المبهمة المشبهة لأصوات الحيوانات ومظاهر الطبيعة, وفي لغات السياميين والصينيين مثلًَا نرى أن معظم ظواهر الدلالة تتصل بحروف المد، فكلمة "ها" مثلًا معناها: البحث في لغة السياميين, فإذا مدت ألفها قليلًا وفتح الفم في نطقها a أصبح معناها الوباء، وإذا مدت قليلًا بدون فتح الفم أصبح معناها خمسة.
V Ribot on cit p ٧٨.
٣ انظر صفحة ١٠٦.
٤ انظر صفحة ٩٤ وتوابعها.

<<  <   >  >>