للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على معانٍ جزئية, وبعضها الآخر على معانٍ كلية، وحاول أن يبين أيّ القسمين كان أسبق ظهورًا من الآخر.

وقد اختلف هؤلاء فيما بينهم, وانقسموا إلى فريقين:

الفريق الأول: -وعلى رأسه مكس مولر- يرى أن اللغة الإنسانية قد بدأت بألفاظ دالة على معانٍ كلية، ثم انشعبت عن هذه الألفاظ الكلمات الدالة على المعاني الجزئية, ودليلهم على هذا أن الأصول المشتركة التي ترجع إليها المفردات في جميع اللغات الهندية - الأوربية, والتي تمثل في نظرهم اللغة الإنسانية في أقدم عصورها، تدل على معانٍ كلية, كما سبقت الإشارة إلى ذلك١.

وقد ناقشنا هذه النظرية فيما تقدم فتبين فسادها، وظهر أن هذه الأصوات لا تمثل اللغة الإنسانية في عهودها الأولى، وأنها بقايا من لغة راقية لم تصل إليها الأمم الإنسانية إلّا بعد أن اجتازت في حياتها اللغوية مراحل طويلة، وأن بعض الباحثين يذهب إلى أبعد من هذا, فيقرر أننا بصدد أصول نظرية لم تكن يومًا ما لغة كلام٢.

وبعضهم يبحث في هذا التطور من ناحية ثالثةٍ قريبة من بعض الوجوه من الناحية السابقة، فيتساءل عن المراحل التي ظهر فيها كل من الاسم والصفة والفعل والحرف في الكلام الإنساني, وأشهر نظرية بهذا الصدد هي نظرية العلامة ريبو Ribot, التي تقرر أن الصفة هي أول ما ظهر في اللغة الإنسانية، ثم تلتها أسماء المعاني وأسماء الذوات، ثم ظهرت الأفعال, وبظهور الأفعال دخلت اللغة الإنسانية في أهم مرحلة من مراحل رقيها، فلا يخفى أهمية الأفعال في الحديث وكثرة وظائفها في الدلالة، ثم اختتمت مراحل الارتقاء بظهور الحروف٣.


١ انظر صفحة ١٠٠.
٢ انظر صفحتي ١٠٢، ١٠٣.
٣ انظر Ribot op cip pp ٨٨-٩٦.

<<  <   >  >>