للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وطول في المدة التي يقتضيها في كسب لغته بالقياس إلى الطفل البصير، فلا يرجع سببه إلى عدم رؤية الحركات التي تبدو على شفتي المتكلم كما يدعي أصحاب النظرية التي نحن بصددها، وإنما يرجع إلى صعوبة فهمه لمعاني ما يسمعه من كلمات, وذلك أن من وسائل هذا الفهم ما لا يتاح الانتفاع به إلّا للبصير، كإشارة المتكلم في أثناء النطق بالكلمة إلى الشيء الذي تدل عليه، والحركات اليدوية والجسمية التي تصحب الكلام عادة, وتساعد على فهم ما يقصد إليه المتكلمون, وقد تقدَّم أن فهم معاني الكلمات عامل هام من عوامل التقليد اللغوي١, فعدم تمكن الطفل الأكمه من الانتفاع بطائفة من وسائل هذا الفهم، هو الذي يسبب ضعفه في هذا الصدد, ويؤدي إلى تأخره عن البصير.

٦- وأما تعليم النطق للأطفال الذين يولدون صمًّا عن طريق أخذهم بمحاكاة الحركات المرئية التي تتحرك بها أفواه المتكلمين وشفاههم, فلا ينهض دليلًًَا على صحة هذه النظرية لأسباب كثيرة:

منها: أن تعلمهم النطق عن هذا الطريق لا يتاح إلّا بتربية مقصودة في مدارس خاصة، وبمعالجة طويلة شاقة، واستخدام وسائل صناعية كثيرة, فلو ترك الطفل الأصم منذ الولادة وشأنه لنشأ أبكم، ولو لم يكن به أي عطب في أعضاء نطقه٢, وفي هذا دليل على أن الطفل بطبعه لا يعتمد على نظره في التقليد اللغوي، ولا يحاول الانتفاع به إلّا إذا أخذ بذلك أخذًا، ووجه إليه توجيهًا مقصودًا، ودُرِّبَ عليه بوسائل صناعية, ومعالجة طويلة, وغنيٌّ عن البيان أن في هذا دليلًا على أصحاب هذه النظرية لا دليلًا لهم.

ومنها: أن تعليم الأصم الكلام عن هذا الطريق لا يمكن الشروع فيه قبل سن الثامنة أو التاسعة, أي: بعد انتهاء مرحلة "التقليد اللغوي"، أما قبل ذلك فكل مجهود يبذل في هذا السبيل يذهب


١ انظر صفحات ١٤٧-١٤٩، ١٥٢.
٢ وكذلك الطفل الذي يصاب بالصمم قبل أن يبلغ الرابعة، أي: قبل أن يقارب مرحلة الاستقرار اللغوي.

<<  <   >  >>