وفي كثير من الأمم البدائية ينعكس في اللغة من مظاهر الاضطراب والإبهام ما تمتاز به عقليات الناطقين بها من سذاجة وقصور، حتى إنها لا تكاد وحدها تبين عن معنًى واضح دقيق، وحتى أن أهلها أنفسهم ليضطرون في أثناء حديثهم إلى الأستعانة بالحركات اليدوية والجسمية لتكملة ما ينقص تعبيرهم, وما يعوزه من دلالة؛ فقد روي عن قبائل البوشيمان Bochimans "عشائر بدائية تسكن جنوب أفريقيا١ أنهم إذا أرادو المحادثة ليلًا يضطرون إلى إشعال النار ليتمكنوا من رؤية الإشارات اليدوية والجسمية التي تصحب كلامهم, فتكمل ناقصة وتوضح مدلولاته, ويقرر علماء الأتنوجرافيا الذين عنوا بدراسة السكان الأصليين بأمريكا وأستراليا وأفريقيا, أن عقليات هذه الشعوب لا تكاد تدرك المعاني الكلية في كثير من مظاهرها، وأن هذا القصور العقلي كان له صدى كبير في لغاتهم، فلا نكاد نجد في كثير منها لفظًا يدل على معنًى كليٍّ. ففي لغة الهنود الحمر مثلًا يوجد لفظ للدلالة على شجرة البلوط الحمراء، وآخر للدلالة على شجرة البلوط السوداء.. وهكذا, ولا يوجد أي لفظ للدلالة على شجرة البلوط، ومن باب أولى لا يوجد أي لفظ للدلالة على الشجرة على العموم. وفي لغة الهورونيين Hurons "من السكان الأصليين لأمريكا الشمالية" يوجد لكل حالة من حالات الفعل المتعدي لفظ خاص بها, ولكن لا يوجد للفعل نفسه لفظ يدل عليه, فيوجد لفظ التعبير عن الأكل في حالة تعلقه بالخبز، ولفظ آخر للتعبير عليه في حالة تعلقه باللحم، وثالث في حالة تعلقه بالزبد، ورابع في حالة تعلقه بالموز ... وهكذا, ولكن لا يوجد فعل ولا مصدر للدلالة على الأكل على العموم, أو الأكل في زمنٍ ما. ولغة السكان الأصليين لجزيرة تسمانيا Tasmanie "بقرب أستراليا" لا يوجد في مفرداتها لفظ يدل على الصفة، فإذا أرادوا وصف شيء لجئوا إلى تشبيهه بآخر مشتمل على الصفة المقصودة، فيقولون مثلًا:"فلان كشجرة كذا" إذا أرادوا وصفه بالطول.