والعوامل, لتعلقها بظواهر قد تقادم عليها العهد، استخدم العلماء للوصول إليها طرقًا غير مباشرة, ومن هذه الطرق "طريقة قياس الغابر على الحاضر". فللوقوف على أسباب مظهر من مظاهر التطور في لغة قديمة يبحثون عن تطور مشابه له في اللغات الحديثة, ويردسون أسبابه -وأسباب التطورات الحديثة لا يحتاج كشفها إلى كبير عناء لوضوح أثرها وقرب العد بها، ثم ينظرون إلى أيّ مدى يمكن أن تكون أسباب التطور القديم مشبهة لهذه الأسباب.
واستخدام هذه الطريقة في تطورات الدلالة "السيمنتيك" محفوف بالأخطار وعرضة للزلل, وذلك أن العوامل التي تؤدي إلى تطور اللغة في معاني كلماتها وقواعدها وأساليبها.. قلما تتحد في عصرين أو في لغتين؛ لأن معظمها يرجع إلى ظواهر اجتماعية وتاريخية وسياسية وجغرافية وثقافية.. وهلم جرا.. ومن الواضح أن هذه الطائفة من العوالم لا يمكن أن تتكرر بشكل واحد, ولا أن تتحد نتائجها في عصرين ولا في أمتين, فمن المجازفة إذن أن نعزو تطورًا دلاليًّا حدث في لغة قديمةٍ إلى عوامل مماثلة للعوامل التي أحدثت تطورًا يشبهه في لغة حديثة.
أما فيما يتعلق بالناحية الصوتية من اللغة "الفونيتيك", فلا ضير من استخدام هذه الطريقة، وذلك أن التطورات الصوتية يرجع معظمها إلى أمور تتعلق بأعضاء النطق، وطريقة أدائها لوظائفها، وتأثرها بالظواهر الجغرافية، وأساليب انتقالها بطريق الوراثة من الأصل إلى الفروع, وما إلى ذلك. وعوامل هذه طبيعتها قلما تختلف آثارها باختلاف العصور والأمم, فعلى ضوء العوامل التي أدت إلى تطور صوتي في لغة حديثة، نستطيع أن نصل إلى كشف العوالم التي أدت إلى تطور مشبه له في لغة قديمة.
الطريقة الخامسة: طريقة الوازنة Methode Comparative:
تقوم هذه الطريقة على الموازنة بين الظواهر اللغوية في طائفة