للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من اللغات لاستنباط خواصها المشتركة، وللوقوف على وجوه الاتفاق والخلاف في عواملها ونتائجها، وللوصول من وراء هذا كله إلى كشف القوانين العامة الخاضعة لها في مختلف مظاهرها.

ومع أهمية هذه الطريقة في دراسة علم اللغة، ومع أن العلماء قد وصلوا بفضلها إلى معظم ما وصلوا إليه من حقائقه، فإنها كثيرًا ما تكون عرضة للزلل والانحراف عن جادة الصواب, غير أن معظم الأخطاء بهذا الصدد لا يرجع في الحقيقة إلى الطريقة ذاتها، وإنما يرجع إلى سوء اسخدامها، وخاصة إلى نقص الاستقراء والتسرع في صوغ القوانين العامة؛ فقد يلاحظ الباحث مثلًا بصدد ظاهرة لغوية أنها قد حدثت في طائفة من اللغات على أثر بعض أمور، فيتعجل بوضع قانون عام يقرر فيه أن هذه الظاهرة نتيجة لازمة لهذ الأمور وحدها، مع أن الواقع قد يكون غير ذلك, فقد لا يكون بين هذه الظاهرة وتلك الأمور علاقة سبب بمسبب، وقد يظهر له إذا اتسع نطاق استقرائه أن الأمر بينهما لا يعدو مصاحبة اتفق حدوثها في بعض اللغات، وأن هذه الأمور قد حدثت في لغات أخرى بدون أن تحدث هذه الظاهرة، أو أن الظاهرة قد حدثت أحيانًا بدون أن تسبقها هذه الأمور, وقد يبدو له مثلًا تشابه في بعض الكلمات في لغتين؛ فيتسرع في الحكم عليهما بأنهما من فصيلة واحدة، مع أن الواقع قد يكون غير ذلك، فقد يكون سبب الاتفاق أن أحداهما قد اقتبست هذه الكلمات اقتباسًا من الأخرى, مع انتمائهما إلى فصيلتين مختلفتين، كما اقتبست السريانية عددًا كبيرًا من الكلمات الإغريقية، مع أن السريانية من فصيلة اللغات السامية, والإغريقية من فصلة اللغات الهندية -الأوربية، وكما اقتبست الفارسية الحديثة كلمات كثيرة من العربية، مع أن أولاهما من اللغات الآرية, وثانيتهما من اللغات السامية، وكما اقتبست التركية قسمًا كبيرًا من متن لغتها من العربية والفارسية، مع أنها من فصيلة غير فصيلتي العربية والفارسية، وهي الفصيلة التترية.

<<  <   >  >>