للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السابقة، وهو اللغة بالمعنى الكامل لهذه الكلمة، أي: الأصوات المركبة ذات المقاطع التي تتألف منها الكلمات، فيظهر أن الإنسان قد اختص بها من سائر الفصائل الحيوانية, حقًّا إن بعض طوائف الحيوان تصدر عنه أصوات شبيهة في ظاهرها بهذا النوع من التعبير, ولكن بالتأمل في هذه الأصوات يتبين أنها عارية عن خصائص اللغة في صورتها الصحيحة، وأنها ترجع إلى فصيلة أخرى من فصائل الأصوات, وسنعرض فيما يلي لأهم ما يبدو عند الحيوان من هذا القبيل، معقبين على كل مظهر منها بما يبين وجوه الفرق بينه وبين اللغة الصوتية بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة.

يرجع أهم ما يلفظه الحيوان من هذه الأصوات إلى ثلاثة طوائف:

الطائفة الأولى: أصوات فطرية الأصل, يستخدمها الحيوان قاصدًا بها التعبير عن بعض شئونه؛ كالحمحمة التي يرددها الفرس بشكل إرادي عند رؤية صاحبه للتعبير عن حاجته إلى العلف، والمواء الذي يلجأ إليه الهر لينبئ به عن جوعه، والنباح الذي يلفظه الكلب قاصدًا به إيقاظ أهل المنزل, أو إرشادهم إلى أن شخصًا يحوم حوال البيت ... وهلم جرا.

وهذه الطائفة ليست في الواقع من اللغة الصوتية في شيء، وأن أشبهتها في ظاهرها ووظيفتها, وذلك أنها أصوات مبهمة عارية عن المقاطع والكلمات, وغير متميزة العناصر, ومن أهم خصائص الكلام كما لا يخفى اشتماله على مقاطع وكلمات وتميز عناصره بعضها من بعض. هذا إلى أنها في الأصل أصوات فطرية تصحب الانفعالات، وأن كل ما يعمله الحيوان حيالها في هذه الحالة هو أن يرددها هي نفسها بشكل إرادي للدلالة على الانفعالات نفسها التي تعبر عنها في شكلها الفطري, أو للدلالة على أمور انفعالية قريبة منها "الجوع، العطش، الخوف ... إلخ". وأصوات هذا شأنها لا يصح عدها


فتلفت يمنه ويسرة، ثم سدد بصره إلى أمه, فلم تحول بصرها عنه، وإذا بالصغير يسرع إلى وجاره كأنما كانت تجذبه بخيط لا تراه العين".
"مجلة لمختار عدد أكتوبر سنة ١٩٤٧ص٤٥".

<<  <   >  >>