وعلى ذلك فإنه يمكن القول بأن القرنين التاسع عشر والعشرين قد شهدا توسعا ضخما في العمران الحضري، ويمكن الاستنتاج أن جذور هذا التوسع الكبير ترجع إلى عدة عوامل أبرزها استيعاب نسبة المهاجرين الذين لفظتهم المناطق الريفية لعوامل الطرد الكامنة فيها.
وتتميز المدن بانخفاض معدل الزيادة الطبيعية إذا قورنت بالريف -كقاعدة عامة- ولذا فإن نسبة كبيرة من نموها السكاني ترجع إلى تدفق تيارات الهجرة المستمرة نحوها. وتتعدد الأمثلة في دول العالم على ذلك، ففي البرازيل مثلا كانت نسبة الزيادة الطبيية في ثمان مدن رئيسية بها أقل من نصف الزيادة الناجمة عن الهجرة "في الفترة من عام ١٩٤٠ - ١٩٥٠"، وفي فرنسا نمت باريس في العقدين الأخيرين بمعدل يصل إلى ضعف مثيله على مستوى القطر كله، وفي مصر فإن معدل النمو السكاني لمدينة القاهرة يصل إلى أكثر من ضعف مثيله على مستوى الجمهورية.
وقد أدت هذه الهجرات إلى زيادة سكان الحضر كما سبق القول بدرجة أوصلت نسبتهم إلى أكثر من أربعة أخماس سكان المملكة المتحدة وأكثر من نصف سكان ألمانيا الغربية والدانمرك واستراليا وفلسطين المحتلة وأكثر من نصف سكان الولايات المتحدة وبلجيكا والأرجنتين وكندا ونيوزيلندا وإسبانيا والسويد وهولنده وفرنسا وشيلي والنرويج وفنزويلا والنمسا.
ويرتبط نمو المدن بمعدلات الهجرة إليها والتي تؤدي إلى تزايد سكان المدينة الأصلية أو التوابع التي تنشأ وتتضخم حولها، وتعد هذه الظاهرة سمة واضحة في المدن الكبرى في العالم، فالإقليم الحضري urban region لمدينة نيويورك مثلا يحوي ١٥ مليون نسمة، وتزايد بنحو ثلاثة ملايين نسمة في العشرين سنة الواقعة بين ١٩٤٠ - ١٩٦٠، وكذلك فإن عدد سكان مجمعة طوكيو الكبرى "طوكيو - يوكوهاما" يصل إلى ١٣.٦ مليون نسمة، ولندن الكبرى يسكنها ١١.٥ مليون نسمة وهكذا.
لا تختلف المدن المتوسطة الحجم عن المدن العملاقة في دورها في جذب تيارات الهجرة، وإن كانت معدلات الهجرة تختلف من مدينة لأخرى حسب عوامل الجذب والطرد الكامنة في هذه المدن وفي مناطق إرسال المهاجرين.