للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

في وقت الشدّة، أما الدعاء فيكون من المكروب المهموم وغيره.

ومناسبة الترجمة للتوحيد: من جهة أنَّ الاستغاثة عبادة، وهي من أنواع الدعاء، وكذا الدعاء عبادة، فيكون صرفها لغير الله شركًا ينافي التوحيد.

المسألة الثانية: فرّق بعض العلماء بين الاستعاذة والاستغاثة من جهة: أن الاستعاذة: أن تطلب من الله أن يعصمك ويمنعك، وهذا قبل وقوع المكروه.

وأما الاستغاثة: فتطلب من الله أن يزيل ما بك من شرّ وكرب، وهذا بعد وقوع المكروه.

لكن ابن تيمية ذكر أنَّ الاستعاذة والاستغاثة ألفاظ متقاربة، وكلاهما يكون قبل وقوع الشيء وبعد وقوعه (١).

المسألة الثالثة: اعلم أنَّه ليس كل استغاثة بغير الله محرمة، وإنما الاستغاثة بغير الله نوعان:

١. استغاثة ممنوعة: وهي الاستغاثة بالأموات، أو بالحيّ الحاضر على أمر غائبٍ لا يقدر على مباشرته، أو بالحيّ الغائب، فهذا شرك أكبر؛ لأنَّه ما استغاث بهم، إلّا لأنَّه يعتقد أنّ لهم تصرفًا في الكون.

ويدخل فيه: الاستغاثة بالحيّ القادر فيما لا يقدر عليه، فهذا لغوٌ باطل، إلّا أنّ صحبه اعتقاد أن له تصرفًا في الكون فيكون شركًا (٢).


(١) مجموع الفتاوى، لابن تيمية (١٥/ ٢٢٧).
(٢) وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء فقال السائل: يقول الناس عند النوازل والشدائد: يا رسول الله، وغيره من الأولياء، ويذهبون إلى مقابر الصالحين في حالة المرض ويستغيثون بهم، ويقولون: إن الله يدفع البلاء بهم، نحن نستمدهم لكن نيتنا إلى الله؛ لأن المؤثر هو الله، هل هذا شرك أم لا، وهل يقال لهم: إنهم مشركون؟ والحال أنهم يصلون ويقرأون القرآن وغيره من العمل الصالح.
الجواب: ما يفعله هؤلاء هو الشرك الذي كان عليه أهل الجاهلية الأولى، فإنهم كانوا يدعون اللات والعزى ومناة وغيرهم ويستغيثون بهم؛ تعظيما لهم، ورجاء أن يقربوهم إلى الله ويقولون: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزُّمَر: ٣]. ويقولون أيضًا: ﴿هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ لَا [يونس: ١٨]. فتاوى اللجنة الدائمة باختصار (١/ ٨٥ - ٨٦).
وسئلت اللجنة أيضًا فقال السائل: إذا كان إنسان إمام مسجد ويستغيث بالقبور ويقول: هذه قبور ناس أولياء ونستغيث بهم من أجل الواسطة بيننا وبين الله، هل يجوز لي أن أصلي خلفه وأنا إنسان أدعو إلى التوحيد؟ وأرجو منكم توضحوا لي كثيرًا في هذا مواضيع النذر والاستغاثة والتوسل.
الجواب: من ثبت لديك أنه يستغيث بأصحاب القبور أو ينذر لهم فلا يصح أن تصلي خلفه؛ لأنه مشرك، والمشرك لا تصح إمامته ولا صلاته، ولا يجوز للمسلم أن يصلي خلفه؛ لقول الله سبحانه: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: ٨٨]، وقوله ﷿: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزُّمَر: ٦٥] ﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [الزُّمَر: ٦٦]. فتاوى اللجنة الدائمة (١/ ٦٣).

<<  <   >  >>