للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ضرًّا ولا نفعًا، فضلًا عمن استغاث به وسأله قضاء حاجته، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها، وهذا مِنْ جهله بالشافع والمشفوع له عنده، فإنه لا يقدر أن يشفع له عند الله إلا بإذنه، والله لم يجعل استغاثته وسؤاله سببًا لإذنه، وإنما السببُ لإذنه كمال التوحيد، فجاء هذا المشرك بسبب يمنع الإذن، وهو بمنزلة من استعان في حاجة بما يمنع حصولها، وهذه حالة كل مشرك (١).

وقال الشيخ سليمان بن عبد الله: «العلماء أجمعوا على أن من صرف شيئًا من نوعي الدعاء لغير الله فهو مشرك، ولو قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وصلى، وصام؛ إذ شرطُ الإسلامِ مع التلفظِ بالشهادتين أن لا يَعْبُدَ إلا الله، فمن أتى بالشهادتين وعبدَ غير الله فما أتى بهما حقيقة وإن تلفظ بهما … ومجردُ التلفظ بهما لا يكفي في الإسلام بدون العمل بمعناهما واعتقاده إجماعًا» (٢).

ومن نظر في واقع معظمي القبور وجد أنهم واقعون في هذا الأمر، فهم يستغيثون بأصحابها، ويطلبون منهم تفريج الكربات، وقضاءَ الحاجات، وهذا شركٌ في الألوهية، حيث صرفوا العبادةَ لغير الله، وشركٌ في الربوبية كذلك، حيث ظنّوا أن لهم تصريفًا في الكون وتدبيرًا، قال سليمان بن عبد الله: «وكثيرٌ منهم وأكثرهم يرى أن الاستغاثة بإلهه الذي يعبده عند قبره أو غيره، أنفعُ وأنجعُ من الاستغاثة بالله في المسجد، ويصرحون بذلك، والحكاياتُ عنهم بذلك فيها طول، وهذا أمرٌ ما بلغ إليه شرك الأولين، وكلهم إذا أصابتهم الشدائد أخلصوا للمدفونين في التراب، وهتفوا بأسمائهم، ودعوهم ليكشفوا


(١) مدارج السالكين (١/ ٣٥٣).
(٢) تيسير العزيز الحميد (ص: ١٨٦).

<<  <   >  >>