طالبَ الحاجة كان منفردًا في الأوَّل، ثم انضم إليه شافعٌ، فصارا شفعًا.
المسألة الثانية: مناسبة الباب:
لما كان المشركون قديمًا وحديثًا يعبدون من دون الله الأصنام والأضرحة ونحوها، فإذا أُنكِرَ عليهم قالوا: ﴿هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ وادَّعَوا أنَّ غرضهم بذلك طلب الشفاعة فقط، فبين المؤلف هنا أنَّ الله عدّ ذلك من الشرك، وأنَّ طلب الشفاعة منهم هي عبادة لغير الله، وإن ادِّعَوا أنَّ ذلك من تعظيم الله.
واعلم أنَّ أصل الشرك من قديمِ الزمان وحديثِه هو بطلب الشفاعة، وتعلُّق الناس بأذيالها، وذلك لأنَّ المشركين يقولون نحن نجعلهم شفعاء، فقاسوا الله بخلقه، وقال الله على لسانهم: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر، الآية (٣)].
المسألة الثالثة: كيف يقال: إنَّ من اتخذ الشفيع مشركٌ، وهو إنما اتخذه شفيعًا إلى الله بقصد تعظيم الرب، فإنَّه -على حدّ قولهم- لا يتوصل إليه إلا بالشفعاء، كملوك الدنيا؟
* الجواب: أنَّه وإن كان دافعه وقصده تعظيم الله، إلا أنَّه ليس كل من قصد التعظيم وُفِّق وأصاب؛ لأنَّ اتخاذ الشفعاءِ والأنداد من دون الله فيه هضمٌ للربوبية، وتنقّص لعظمة الله، وسوء ظنٍّ به سبحانه، ولذا قال الله عن المشركين، وهم يخاطبون معبوداتهم: ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٩٨)﴾ [الصافات، الآية (٩٧ - ٩٨)]، وهذه التسوية منهم ليست تسويةً لمعبوداتهم بذات الله وصفاته وأفعاله، ولا ادّعوا أنَّها خلقت السماوات والأرض وغير ذلك، وإنما ساووهم في المحبّةِ والتعظيمِ والعبادة.
ووجه كون الاستشفاع بالأولياء فيه هضمٌ للربوبية وسوء ظنٍّ بالله؛ لأن المستشفع لا يخرج من أمور: