للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد أراد المصنف في الباب أن يبيّن أنَّ سبب الوقوع في الشرك بالله تعالى، والباعثَ الأوَّل له هو الغلوُ في هؤلاء الصالحين الذين عُبِدوا من دون الله، فمن الغلو بدأت شرارة الضلالة، ودخل الشيطان على هؤلاء، فالناس إنما جرّهم إلى الشرك غلوهم في هؤلاء المعبودين.

ومناسبة الباب لما قبله: أنَّه لما ذكر بعض ما يقع من عباد القبور مع الأموات من الشرك، أعقب ذلك ببيان سببه وهو الغلو.

المسألة الثانية: نصوص الباب: ذكر في الباب خمسةَ نصوصٍ تبين أثر الغلو:

(١) قول الله: ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ﴾ [النساء، الآية (١٧١)]. والمخاطَب هنا هم أهل الكتاب - اليهود والنصارى-، أن لا تغلوا في دينكم، وقد كان سبب ضلال النصارى أنَّهم غلوا في عيسى;، حتى ألَّهوه وعبدوه، وغلوا فيمن كان معه من أتباعه فادعوا فيهم العصمة، بينما كان ضلالُ اليهودِ في غلوهم في عيسى; قدحًا، وادعوا أنَّه ولد بغي.

ومناسبة الآية للباب: أنَّ من دعا نبيًّا أو وليًّا من دون الله وغلا فيه، فقد شابه النصارى و اليهود.

ولو تتبعت كلَّ مَنْ ضلّ من الفرق لوجدت أنَّه بسبب غلوهم في جانب، فالرافضة غلوا في حبّ آل البيت، والنواصب بضدّ ذلك، والجهمية غلوا في نفي التشبيه لله حتى نفوا عنه كل شيء، وهؤلاء الذين يعظّمون الأولياء ضلّوا حينما غلوا فيهم.

• ففي الآية: التحذير من الغلوّ في الصالحين والأنبياء، فإنَّه كان سبب ضلال النصارى واليهود (١).


(١) فائدة: أشار ابن القيم إلى أن الغلو نوعان:
١. نوع يخرجه عن كونه مطيعًا، كمن زاد في الصلاة ركعة، أو صام الدهر مع أيام النهي، أو رمى الجمرات بالصخرات الكبار التي يرمى بها في المنجنيق، أو سعى بين الصفا والمروة عشرًا، أو نحو ذلك عمدًا.
٢. وغلوٌ يخاف منه الانقطاع والاستحسار، كقيام الليل كله، وسرد الصيام الدهر أجمع بدون صوم أيام النهي، والجور على النفوس في العبادات والأوراد، وكلاهما مذموم. مدارج السالكين (٢/ ٤٦٥).

<<  <   >  >>