للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾، والمعنى: أنَّ من أرادوا الدنيا، فإننا نعطيهم ونوفّر لهم ثواب أَعْمَالِهم في دنياهم، في الصحة والسرور في المال والأهل والولد، وَهُمْ لا يُنقَصون.

وقد فُسِّرت الآيةُ بتفسيراتٍ، لعل من أحسنها تفسير قتادة حيث قال: «من كانت الدنيا همّه وطِلبته ونيّته، جازاه الله بحسناته في الدنيا، ثم يُفضِي إلى الآخرة وليس له حسنةٌ يُعطى بها جزاءً، وأما المؤمنُ فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة» (١).

وهذه الآية وإن كانت في الكفار، إلّا أنَّه لما كان من يعمل لغير الله، وإنما للدنيا قد شاركهم في القصد لغير الله صار حكمهما واحدًا (٢).


(١) أخرجه الطبري في التفسير (١٢/ ٣٤٨)، وابن أبي حاتم في التفسير (٢/ ٣٥٨).
(٢) وقد سئل الإمام محمد بن عبد الوهاب عن الآية، فذكر أنها يدخل فيها أنواع مما يفعله الناس، وخلاصة كلامه:
١ - العمل الصالح من صلاة وصدقة وصلة وإحسان وترك ظلم ونحو ذلك، لكن لا يريد به ثواب الآخرة، إنما يريد أن يجازيه الله بحفظ ماله وتنميته أو حفظ أهله وعياله، أو إدامة النعمة عليهم، ولا همّ له في طلب الجنة والهرب من النار، فهذا قد يعطى ثواب عمله في الدنيا، وليس له في الآخرة من نصيب، وهذا النوع ذكره ابن عباس.
٢ - وهو أكبر من الأول وأخوف، وهو الذي ذكر مجاهد أن الآية نزلت فيه، وهو أن يعمل أعمالا صالحة ونيته رئاء الناس، لا طلب ثواب الآخرة، وهذا ورد في الباب الذي قبله.
٣ - أن يعمل أعمالا صالحة يقصد بها مالًا، مثل أن يحج لمال يأخذه، أو يهاجر لدنيا يصيبها، أو يجاهد لأجل المغنم، فقد ذكر- أيضًا- هذا النوع في تفسير هذه الآية، وكما يتعلم الرجل القرآن ويواظب على الصلاة لأجل وظيفة المسجد فقط، لا لأجل الله.
٤ - أن يعمل بطاعة الله مخلصًا في ذلك، لكنه على عمل يكفره كفرًا يخرجه عن الإسلام، مثل اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار، إذ أطاعوا الله طاعة خالصة يريدون بها ثواب الله، لكنهم على أعمال تخرجهم من الإسلام، وتمنع قبول أعمالهم، فهذا النوع- أيضًا- قد ذكر في هذه الآية عن أنس وغيره.

<<  <   >  >>