للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذلك قبل خلق الناس جرى بتقدير الله، وأمره بكتابة كل ما سيكون، فالقدر متقدم على خلق الناس، وقد اختلف أيهما خُلِقَ أولًا العرش أم القلم؟

* والجمهور: أنَّ العرش خُلِق أولًا، ويدل له حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ» (١)، فهذا صريح أن التقدير وقع بعد خلق العرش والتقدير وقع عند أول خلق القلم.

وأما حديث: «أول ما خلق الله القلم» فإما أن يقال بأن المراد أن أول ما خلق الله القلم قال الله له: اكتب، ولا يلزم من ذلك أنَّه أول المخلوقات، فتكون كلمة (القلم) منصوبة، لا مرفوعة.

وإما أن يحمل على أنَّه أول المخلوقات من هذا العالَم، قال ابن القيم:

والناس مختلفون في القلم الذي … كتب القضاء به من الديان

هل كان قبل العرش أو هو بعده … قولان عند أبى العلا الهمداني

والحق أن العرش قبل لأنَّه … عند الكتابة كان ذا أركان (٢)

المسألة الثامنة: أفاد حديث عبادة أنَّ في القدر خيرًا وشرًا، وهذا بالنسبة للعبد، أما الربّ سبحانه، فأفعاله خير محض لا شرّ فيه، ولا يقدِّر على عباده إلا خيرًا إما عاجلًا وإما آجلًا، ولذا ورد في الآية: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ … ﴾ فظهور الفساد شرّ لكنه بالنسبة لتقدير الله خير؛ لأنَّه يترتب عليه تكفير الذنوب، ولعل الناس يرجعون، قال ابن القيم: «فالشر راجع


(١) أخرجه مسلم (٢٦٥٣).
(٢) النونية (ص: ٦٥).

<<  <   >  >>