للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

* وأما أمنُ الآخرة: فإنَّه يُنال بالدين، وأكملُ الناسِ في الآخرة أمنًا هم الموحّدون، وأقلُّهم أمنًا هم المشركون، قال تعالى: ﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨١) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢)﴾ [الأنعام الآية (٨١، ٨٢) وقد ثبت عن ابن مسعود أنَّه قال: «لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ بِشركٍ، أَوَ لَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ لَا تُشركْ بِاللَّهِ إِنَّ الشركَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ؟» (١).

وحين تصلح عقائد الناس، ويستقيم توحيدهم، فإنَّ الله ينزل عليهم من خيراته، وعند فساد الاعتقاد يحلّ بالعباد مقتُ الله، ففي حديث عياض بن حمار ، أنَّه قال: «إِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ … » (٢)، وذلك المقت حين أطبق الشرك في الأرض.

قال ابن تيمية: «ومن تدبّر أحوال العالم، وجد كل صلاح في الأرض، فسببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله ، وكل شرّ في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدوّ وغير ذلك، فسببه مخالفة الرسول والدعوة إلى غير الله، ومن تدبّر هذا حق التدبّر، وجد هذا الأمر كذلك في خاصة نفسه وفي غيره، عمومًا وخصوصًا، ولا حول ولا قوة إلّا بالله!» (٣).


(١) أخرجه البخاري (٣٣٦٠)، ومسلم (١٢٤).
(٢) أخرجه مسلم (٢٨٦٥).
(٣) مجموع الفتاوى (١٥/ ٢٥).

<<  <   >  >>