للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

هذا الرجل وفي يده حلقةٌ من صُفْرٍ -والحلقة: الشيء المستدير يدار على العضد أو الذراع، والصُفر: نوع من المعدن معروف-، فاستفهم منه منكرًا، وقال: ما هذه؟! ويحتمل أنَّه استفهامٌ عن سببٍ لبسه لها، فأخبر الرجل: أنه لبسها لتقيه من الواهنة، والواهنة: عرقٌ يأخذ في المنكب، وفي اليد كلها فيرقى منها، قاله ابن الأثير (١)، فأمره أن ينزعها ويطرحها، وقال له: إنَّها لا تزيدك إلا وهنًا.

وهذا الإنكار منه يفيد: أن وضع الحلقة لرفع البلاء أو دفعه من الشرك؛ ولذا نفى الفلاح عمن فعل هذا.

فإن قيل: كيف قال له: «إنها لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا» أي: أنها تمرضه وتوهنه، وقد تقرر أنها ليس لها أثرٌ في رفع البلاء ودفعه؟

* أجيب عن هذا بجوابين:

١ - أنَّ هذه الحلقة ليس لها تأثير بذاتها، وإنما يعاقب الله من وضعها على شِركه بنقيض قصده (٢).

٢ - أنَّ من علّق مثل هذه الأمور تجده يتعلق بها، ولا يتعلّق بالله، فيكون دائمًا في قلق وخوف يتخوف من كل شيء (٣) (٤).


(١) النهاية في غريب الحديث والأثر (٥/ ٢٣٤).
(٢) انظر: تيسير العزيز الحميد (١٢١).
(٣) انظر: إعانة المستفيد (١/ ١٣٩).
(٤) فإن قيل: قوله في الحديث: «فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا» تفيد أنَّه لو مات وهو لم يتب منها ما أفلح أبدًا؛ لأنَّه مشرك، وظاهر هذا أنَّه لم يعذر بجهله، فكيف يجاب عن هذا مع ما تقرر من العذر بالجهل؟
* ثمة ثلاثة أجوبة قد تذكر:
١. أنَّ الحديث ضعيف، وقد سبق تفصيل ذلك.
وأهل العلم يقررون أنَّ الجهل بالنسبة لكونه عذرًا هو على ضربين:
أ- جهلٌ يعذر فيه الإنسان: وهو الذي لا يكون ناشئًا عن تفريط وإهمال، كمن نشأ في بادية ولا يجد من يعلمه فهذا يعذر.
ب- جهلٌ لا يعذر فيه: وهو ما كان ناشئًا عن تفريط وإهمال مع وجود من يعلّمه، كمن يكون في مدينة أو قرية أو بادية وعنده من يعلّمه لكنّه فرَّط، فلا يعذر.
٢. ورد في رواية عند الخلاّل في السنة (١٦٢٣) أن عمران قال له: «وَلَوْ مُتَّ وَأَنْتَ تَرَى أنَّها نَافِعَتُكَ، لَمِتَّ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ الْفِطْرَةِ» فيحمل الحديث على أنَّه يرى أنَّها تنفعه.
٣. أن يقال: إنَّ هذا من أحاديث الوعيد، والسلف يمّرون أحاديث الوعيد كما جاءت، ويكرهون أن تتأوّل بتآويل تخرجها عن مقصود النبيّ .

<<  <   >  >>