وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وأبوالشيخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا} قَالَ: أَرَادوا أَن تكون لعقبهم من بعدهمْ
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن أبي حَاتِم وأبوالشيخ فِي العظمة وَأَبُو بكر الشَّافِعِي فِي فَوَائده الْمَعْرُوفَة بالغيلانيات عَن سلمَان الْفَارِسِي قَالَ: لما سَأَلَ الحواريون عِيسَى بن مَرْيَم الْمَائِدَة كره ذَلِك جدا وَقَالَ: اقنعوا بِمَا رزقكم الله فِي الأَرْض وَلَا تسألوا الْمَائِدَة من السَّمَاء فَإِنَّهَا إِن نزلت عَلَيْكُم كَانَت آيَة من ربكُم وَإِنَّمَا هَلَكت ثَمُود حِين سَأَلُوا نَبِيّهم آيَة فابتلوا بهَا حَتَّى كَانَ بوارهم فِيهَا فَأَبَوا إِلَّا أَن يَأْتِيهم بهَا فَلذَلِك {قَالُوا نُرِيد أَن نَأْكُل مِنْهَا وتطمئن قُلُوبنَا ونعلم أَن قد صدقتنا ونكون عَلَيْهَا من الشَّاهِدين}
فَلَمَّا رأى عِيسَى أَن قد أَبَوا إِلَّا أَن يدعوا لَهُم بهَا قَامَ فَألْقى عَنهُ الصُّوف وَلبس الشّعْر الْأسود وجبة من شعر وعباءة من شعر ثمَّ تَوَضَّأ واغتسل وَدخل مُصَلَّاهُ فصلى مَا شَاءَ الله فَلَمَّا قضى صلَاته قَامَ قَائِما مُسْتَقْبل الْقبْلَة وصف قَدَمَيْهِ حَتَّى اسْتَويَا فألصق الكعب بالكعب وحاذي الْأَصَابِع بالأصابع وَوضع يَده الْيُمْنَى على الْيُسْرَى فَوق صَدره وغض بَصَره وطأطأ رَأسه خشوعاً ثمَّ أرسل عَيْنَيْهِ بالبكاء فَمَا زَالَت دُمُوعه تسيل على خديه وتقطر من أَطْرَاف لحيته حَتَّى ابتلت الأَرْض حِيَال وَجهه من خشوعه فَلَمَّا رأى ذَلِك دَعَا الله فَقَالَ {اللَّهُمَّ رَبنَا أنزل علينا مائدة من السَّمَاء تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا} تكون عظة مِنْك لنا {وَآيَة مِنْك} أَي عَلامَة مِنْك تكون بَيْننَا وَبَيْنك وارزقنا عَلَيْهَا طَعَاما نأكله {وَأَنت خير الرازقين}
فَأنْزل الله عَلَيْهِم سفرة حَمْرَاء بَين غمامتين غمامة فَوْقهَا وغمامة تحتهَا وهم ينظرُونَ إِلَيْهَا فِي الْهَوَاء منقضة من فلك السَّمَاء تهوي إِلَيْهِم وَعِيسَى يبكي خوفًا