النَّاس والأشراف وَأرْسل إِلَى ابْن الْملك رَسُولا فَدَعَاهُ إِلَى ضيعته ليَأْكُل مَعَ النَّاس فَأبى الْفَتى وَقَالَ: إِنِّي عَنْك مَشْغُول فَكل أَنْت وَأَصْحَابك فَلَمَّا أَكثر عَلَيْهِ من الرُّسُل أخْبرهُم أَنه لَا يَأْكُل من طعامهم فَبعث الْملك إِلَى ابْنه وَدعَاهُ وَقَالَ: مَا أَمرك هَذَا قَالَ: إِنَّا لَا نَأْكُل من ذبائحكم إِنَّكُم كفار لَيْسَ تحل ذبائحكم
فَقَالَ لَهُ الْملك: من أَمرك هَذَا فَأخْبرهُ أَن الراهب أمره بذلك فَدَعَا الراهب فَقَالَ: مَاذَا يَقُول ابْني قَالَ: صدق ابْنك
قَالَ لَهُ: لَوْلَا الدَّم فِينَا عَظِيم لقتلتك وَلَكِن اخْرُج من أَرْضنَا فَأَجله أَََجَلًا فَقَالَ سلمَان: فقمنا نبكي عَلَيْهِ
فَقَالَ لَهما: إِن كنتما صَادِقين فَإنَّا فِي بيعَة فِي الْموصل سِتِّينَ رجلا نعْبد الله فأتونا فِيهَا فَخرج الراهب وَبَقِي سلمَان وَابْن الْملك فَجعل سلمَان يَقُول لِابْنِ الْملك: انْطلق بِنَا
وَابْن الْملك يَقُول: نعم
وَجعل ابْن الْملك يَبِيع مَتَاعه يُرِيد الجهاز فَلَمَّا أَبْطَأَ على سلمَان خرج سلمَان حَتَّى أَتَاهُم فَنزل على صَاحبه وَهُوَ رب الْبيعَة فَكَانَ أهل تِلْكَ الْبيعَة أفضل مرتبَة من الرهبان فَكَانَ سلمَان مَعَه يجْتَهد فِي الْعِبَادَة ويتعب نَفسه فَقَالَ لَهُ سلمَان: أَرَأَيْت الَّذِي تَأْمُرنِي بِهِ هُوَ أفضل أَو الَّذِي أصنع قَالَ: بل الَّذِي تصنع
قَالَ: فخلّ عني
ثمَّ إِن صَاحب الْبيعَة دَعَاهُ فَقَالَ أتعلم أَن هَذِه الْبيعَة لي وَأَنا أَحَق النَّاس بهَا وَلَو شِئْت أَن أخرج مِنْهَا هَؤُلَاءِ لفَعَلت وَلَكِنِّي رجل أَضْعَف عَن عبَادَة هَؤُلَاءِ وَأَنا أُرِيد أَن أتحول من هَذِه الْبيعَة إِلَى بيعَة أُخْرَى هم أَهْون عبَادَة من هَهُنَا فَإِن شِئْت أَن تقيم هُنَا فأقم وَإِن شِئْت أَن تَنْطَلِق معي فَانْطَلق
فَقَالَ لَهُ سلمَان: أَي البيعتين أفضل أَهلا قَالَ: هَذِه
قَالَ سلمَان: فَأَنا أكون فِي هَذِه فَأَقَامَ سلمَان بهَا وَأوصى صَاحب الْبيعَة بسلمان يتعبد مَعَهم
ثمَّ إِن الشَّيْخ أَرَادَ أَن يَأْتِي بَيت الْمُقَدّس فَدَعَا سلمَان فَقَالَ: إِنِّي أُرِيد أَن آتِي بَيت الْمُقَدّس فَإِن شِئْت أَن تَنْطَلِق معي فَانْطَلق وَإِن شِئْت أَن تقيم فاقم
قَالَ لَهُ سلمَان: أَيهمَا أفضل أَنطلق مَعَك أَو أقيم قَالَ: لَا بل تَنْطَلِق
فَانْطَلق مَعَه فَمروا بمقعد على ظهر الطَّرِيق ملقى فَلَمَّا رآهما نَادَى يَا سيد الرهبان ارْحَمْنِي رَحِمك الله فَلم يكلمهُ وَلم ينظر إِلَيْهِ وانطلقا حَتَّى أَتَيَا بَيت الْمُقَدّس وَقَالَ الشَّيْخ لسلمان: أخرج فاطلب الْعلم فَإِنَّهُ يحضر هَذَا الْمَسْجِد عُلَمَاء الأَرْض
فَخرج سلمَان يسمع مِنْهُم فَرجع يَوْمًا حَزينًا فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ مَالك يَا سلمَان قَالَ: إِن الْخَيْر كُله قد