{لَا غَالب لكم الْيَوْم من النَّاس وَإِنِّي جَار لكم} وَأَقْبل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على إِبْلِيس وَكَانَت يَده فِي يَد رجل من الْمُشْركين فَلَمَّا رأى جِبْرِيل انتزع يَد وَولى مُدبرا هُوَ وشيعته فَقَالَ الرجل: يَا سراقَة انك جَار لنا فَقَالَ {إِنِّي أرى مَا لَا ترَوْنَ} وَذَلِكَ حِين رأى الْمَلَائِكَة {إِنِّي أَخَاف الله وَالله شَدِيد الْعقَاب} قَالَ: وَلما دنا الْقَوْم بَعضهم من بعض قلل الله الْمُسلمين فِي أعين الْمُشْركين فَقَالَ الْمُشْركُونَ: وَمَا هَؤُلَاءِ {غر هَؤُلَاءِ دينهم وَمن يتوكل على الله فَإِن الله عَزِيز حَكِيم}
وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما تواقف النَّاس أُغمي على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاعَة ثمَّ سري عَنهُ فبشر النَّاس بِجِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي جند من الْمَلَائِكَة ميمنة النَّاس وَمِيكَائِيل فِي جند آخر ميسرَة وإسرافيل فِي جند آخر ألف وإبليس قد تصور فِي صُورَة سراقَة بن جعْشم المدلجي يجير الْمُشْركين ويخبرهم أَنه لَا غَالب لَهُم الْيَوْم من النَّاس فَلَمَّا أبْصر عدوّ الله الْمَلَائِكَة {نكص على عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيء مِنْكُم إِنِّي أرى مَا لَا ترَوْنَ} فَتثبت بِهِ الْحَارِث وَانْطَلق إِبْلِيس لَا يرى حَتَّى سقط فِي الْبَحْر وَرفع يَدَيْهِ وَقَالَ: يَا رب موعدك الَّذِي وَعَدتنِي
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن رِفَاعَة بن رَافع الْأَنْصَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما رأى إِبْلِيس مَا يفعل الْمَلَائِكَة بالمشركين يَوْم بدر أشْفق أَن يخلص الْقَتْل إِلَيْهِ فتشبث بِهِ الْحَارِث بن هِشَام وَهُوَ يظنّ أَنه سراقَة بن مَالك فَوَكَزَ فِي صدر الْحَارِث فَأَلْقَاهُ ثمَّ خرج هَارِبا حَتَّى ألْقى نَفسه فِي الْبَحْر فَرفع يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك نظرتك إيَّايَ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أنزل الله تَعَالَى على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة (سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر)(الْقَمَر الْآيَة ٤٥) فَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: أَي جمع يهْزم - وَذَلِكَ قبل بدر - فَلَمَّا كَانَ يَوْم بدر وانهزمت قُرَيْش نظرت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي آثَارهم مُصْلِتًا بِالسَّيْفِ وَيَقُول:(سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر) فَكَانَت بِيَوْم بدر فَأنْزل الله فيهم (حَتَّى إِذا أَخذنَا مترفيهم بِالْعَذَابِ)(الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة ٢٤)