قَالَ: فَمَا بالكم لَا تحردون قَالُوا: من قبل أَنا وطّنا أَنْفُسنَا للبلاء مُنْذُ كُنَّا وأحببناه وحرصنا عَلَيْهِ فعرينا مِنْهُ
قَالَ: فَمَا بالكم لَا تصيبكم الْآفَات كَمَا تصيب النَّاس قَالُوا: لَا نتوكل على غير الله وَلَا نعمل بأنواء النُّجُوم
قَالَ: حَدثُونِي
أهكذا وجدْتُم آبائكم يَفْعَلُونَ قَالُوا: نعم وجدنَا آبَائِنَا يرحمون مساكينهم ويواسون فقراءهم ويعفون عَمَّن ظلمهم ويحسنون إِلَى من أَسَاءَ إِلَيْهِم ويحلمون على من جهل عَلَيْهِم وَيَسْتَغْفِرُونَ لم سبهم وَيصلونَ أرحامهم ويردون أماناتهم ويحفظون وقتهم لصلاتهم ويوفون بعهودهم ويصدقون فِي مواعيدهم وَلَا يرغبون عَن أكفائهم وَلَا يستنكفون عَن أقاربهم فَأصْلح الله بذلك أَمرهم وحفظهم بِهِ مَا كَانُوا أَحيَاء وَكَانَ حَقًا عَلَيْهِ أَن يخلفهم فِي تَركتهم
فَقَالَ لَهُم ذُو القرنين: لَو كنتُ مُقيما لأقمت فِيكُم وَلَكِنِّي لم أُؤمر بِالْإِقَامَةِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: كَانَ لذِي القرنين صديق من الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُ زرافيل وَكَانَ لَا يزَال يتعاهده بِالسَّلَامِ فَقَالَ لَهُ ذُو القرنين: يَا زرافيل هَل تعلم شَيْئا يزِيد فِي طول الْعُمر لنزداد شكرا وَعبادَة قَالَ: مَا لي بذلك علم وَلَكِن سأسأل لَك عَن ذَلِك فِي السَّمَاء
فعرج زرافيل إِلَى السَّمَاء فَلبث مَا شَاءَ الله أَن يلبث ثمَّ هَبَط فَقَالَ: إِنِّي سَأَلت عَمَّا سَأَلتنِي عَنهُ فَأخْبرت أَن لله عينا فِي ظلمَة هِيَ أَشد بَيَاضًا من اللَّبن وَأحلى من الشهد من شرب مِنْهَا شربة لم يمت حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي يسْأَل الله الْمَوْت
قَالَ: فَجمع ذُو القرنين عُلَمَاء الأَرْض إِلَيْهِ فَقَالَ: هَل تعلمُونَ أَن لله عينا فِي ظلمَة فَقَالُوا: مَا نعلم ذَلِك
فَقَامَ إِلَيْهِ رجل شَاب فَقَالَ: وَمَا حَاجَتك إِلَيْهَا أَيهَا الْملك قَالَ: لي بهَا حَاجَة
قَالَ: فَإِنِّي أعلم مَكَانهَا
قَالَ: وَمن أَيْن علمت مَكَانهَا قَالَ: قَرَأت وَصِيَّة آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَوجدت فِيهَا: إِن لله عينا خلف مطلع الشَّمْس فِي ظلمَة مَاؤُهَا أَشد بَيَاضًا من اللَّبن وَأحلى من الشهد من شرب مِنْهَا شربة لم يمت حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي يسْأَل الله الْمَوْت
فَسَار ذُو القرنين من مَوْضِعه الَّذِي كَانَ فِيهِ اثْنَتَيْ عشرَة سنة حَتَّى انْتهى إِلَى مطلع الشَّمْس عَسْكَر وَجمع الْعلمَاء فَقَالَ: إِنِّي أُرِيد أَن أسلك هَذِه الظلمَة بكم فَقَالُوا: إِنَّا نعيذك بِاللَّه أَن تسلك مسلكاً لم يسلكه أحدا من بني آدم قطّ قبلك
قَالَ: لَا بُد أَن أسلكها
قَالُوا: إِنَّا نعيذك أَن تسلك بِنَا هَذِه الظلمَة فَإنَّا لَا