قَالَ لَهُ ملك الْمَوْت: يَا نَبِي الله كَيفَ رَأَيْت قَالَ: يَا ملك الْمَوْت كنت أحدث وأسمع فَإِذا هُوَ أعظم مِمَّا كنت أحدث وأسمع فَقَالَ لَهُ: يَا ملك الْمَوْت قد بقيت لي حَاجَة أُخْرَى لم يبْق غَيرهَا
قَالَ: وَمَا هِيَ قَالَ: تريني لمحة من الْجنَّة
قَالَ لَهُ ملك الْمَوْت - عَلَيْهِ السَّلَام: يَا نَبِي الله أبشر فَإنَّك إِن شَاءَ الله من خِيَار أَهلهَا وَأَنَّهَا إِن شَاءَ الله مقيلك ومصيرك
فَقَالَ: يَا ملك الْمَوْت إِنِّي أحب أَن أنظر إِلَيْهَا وَلَعَلَّ ذَلِك أَن يكون أَشد لشوقي وحرصي وطلبي فَذهب بِهِ إِلَى بَاب من أَبْوَاب الْجنَّة فَنَادَى بعض خزنتها فَأَجَابُوهُ فَقَالُوا: من هَذَا قَالَ: ملك الْمَوْت
فارتعدت فرائصهم وَقَالُوا: أمرت فِينَا بِشَيْء فَقَالَ: لَو أمرت فِيكُم بِشَيْء مَا ناظرتكم وَلَكِن نَبِي الله إِدْرِيس - عَلَيْهِ السَّلَام - سَأَلَ أَن ينظر إِلَى لمحة من الْجنَّة فافتحوا
فَلَمَّا فتح أَصَابَهُ من بردهَا وطيبها وريحانها مَا أَخذ بِقَلْبِه فَقَالَ: يَا ملك الْمَوْت إِنِّي أحب أَن أَدخل الْجنَّة فَآكل أَكلَة من ثمارها وأشرب شربة من مَائِهَا فَلَعَلَّ ذَلِك أَن يكون أَشد لطلبتي ورغبتي وحرصي
فَقَالَ: ادخل
فَدخل فَأكل من ثمارها وَشرب من مَائِهَا
فَقَالَ لَهُ ملك الْمَوْت: اخْرُج يَا نَبِي الله قد أصبت حَاجَتك حَتَّى يردك الله مَعَ الْأَنْبِيَاء يَوْم الْقِيَامَة
فاحتضن بساق شَجَرَة من شجر الْجنَّة وَقَالَ: مَا أَنا بِخَارِج مِنْهَا وَإِن شِئْت أَن أخاصمك خاصمتك
فَأوحى الله إِلَى ملك الْمَوْت: قاضه الْخُصُومَة
فَقَالَ لَهُ ملك الْمَوْت: مَا الَّذِي تخاصمني بِهِ يَا نَبِي الله فَقَالَ إِدْرِيس: قَالَ الله تَعَالَى (كل نفس ذائقة الْمَوْت) (آل عمرَان الْآيَة ١٨٥) فقد ذقت الْمَوْت الَّذِي كتبه الله على خلقه مرّة وَاحِدَة
وَقَالَ الله: {وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها كَانَ على رَبك حتما مقضيا} (مَرْيَم آيَة ٧٦) وَقد وردتها أفأردها مرّة بعد مرّة وَإِنَّمَا كتب الله وُرُودهَا على خلقه مرّة وَاحِدَة وَقَالَ لأهل الْجنَّة: (وَمَا هم مِنْهَا بمخرجين) (الْحجر آيَة ٤٨) أفأخرج من شَيْء سَاقه الله إليّ فَأوحى الله إِلَى ملك الْمَوْت: خصمك عَبدِي إِدْرِيس وَعِزَّتِي وَجَلَالِي: إِن فِي سَابق علمي قبل أَن أخلقه أَنه لَا موت عَلَيْهِ إِلَّا الموتة الَّتِي ماتها وَأَنه لَا يرى جَهَنَّم غلا [خلا] الْورْد الَّذِي وردهَا وَأَنه يدْخل الْجنَّة فِي السَّاعَة الَّتِي دَخلهَا وَأَنه لَيْسَ بِخَارِج مِنْهَا فَدَعْهُ يَا ملك الْمَوْت