فَلَمَّا سمعته يذكر ذَاك فرحت قلت: نسافر ونلقى النَّاس فَيذْهب عني الْغم الَّذِي كنت أجد فَخرجت أَنا وَهُوَ وَكَانَ يَصُوم من الْأَحَد إِلَى الْأَحَد وَيُصلي اللَّيْل كُله وَيَمْشي بِالنَّهَارِ فَإِذا نزلنَا قَامَ يُصَلِّي
فَلم يزل ذَاك دأبه حَتَّى نزلنَا بَيت الْمُقَدّس وعَلى الْبَاب رجل مقْعد يسْأَل النَّاس فَقَالَ: اعطني
فَقَالَ: مَا معي شَيْء فَدَخَلْنَا بَيت الْمُقَدّس فَلَمَّا رَآهُ أهل بَيت الْمُقَدّس بشوا بِهِ وَاسْتَبْشَرُوا بِهِ فَقَالَ لَهُم: غلامي هَذَا فَاسْتَوْصُوا بِهِ فَانْطَلقُوا بِي فاطعموني خبْزًا وَلَحْمًا وَدخل فِي الصَّلَاة فَلم ينْصَرف إِلَيّ حَتَّى كَانَ يَوْم الْأَحَد الآخر ثمَّ انْصَرف فَقَالَ لي: يَا سلمَان إِنِّي أُرِيد أَن أَضَع رَأْسِي فَإِذا بلغ الظل مَكَان كَذَا وَكَذَا فايقظني
فَبلغ الظل الَّذِي قَالَ فَلم أوقظه رَحْمَة لَهُ مِمَّا رَأَيْت من اجْتِهَاده ونصبه فَاسْتَيْقَظَ مذعوراً فَقَالَ: يَا سلمَان ألم أكن قلت لَك إِذا بلغ الظل مَكَان كَذَا وَكَذَا فأيقظني قلت: بلَى
وَلَكِن إِنَّمَا مَنَعَنِي رَحْمَة لَك لما رَأَيْت من دأبك قَالَ: وَيحك يَا سلمَان
إِنِّي أكره أَن يفوتني شَيْء من الدَّهْر لم أعمل فِيهِ لله خيرا
ثمَّ قَالَ لي: يَا سلمَان اعْلَم أَن أفضل ديننَا الْيَوْم النَّصْرَانِيَّة
قلت: وَيكون بعد الْيَوْم دين أفضل من النَّصْرَانِيَّة كلمة ألقيت على لساني
قَالَ: نعم
يُوشك أَن يبْعَث نَبِي يَأْكُل الْهَدِيَّة وَلَا يَأْكُل الصَّدَقَة وَبَين كَتفيهِ خَاتم النُّبُوَّة فَإِذا أَدْرَكته فَاتبعهُ وَصدقه قلت: وَإِن أَمرنِي أَن أدع النَّصْرَانِيَّة قَالَ: نعم
فَإِنَّهُ نَبِي الله لَا يَأْمر إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَقُول إِلَّا حَقًا وَالله لَو أَدْرَكته ثمَّ أَمرنِي أَن أقع فِي النَّار لوقعتها
ثمَّ خرجنَا من بَيت الْمُقَدّس فمررنا على ذَلِك المقعد فَقَالَ لَهُ: دخلت فَلم تعطني وَهَذَا تخرج فاعطني
فَالْتَفت فَلم ير حوله أحدا قَالَ: فاعطني يدك فَأخذ بِيَدِهِ فَقَالَ: قُم باذن الله
فَقَامَ صَحِيحا سوياً فَتوجه نَحْو أَهله فاتبعته بَصرِي تَعَجبا مِمَّا رَأَيْت وَخرج صَاحِبي فأسرع الْمَشْي وتبعته فتلقاني رفْقَة من كلب اعراب فسبوني فحملوني على بعير وشدوني وثاقاً فتداولني البياع حَتَّى سَقَطت إِلَى الْمَدِينَة فاشتراني رجل من الْأَنْصَار فجعلني فِي حَائِط لَهُ من نخل فَكنت فِيهِ وَمن ثمَّ تعلمت الخوص أَشْتَرِي خوصاً بدرهم فاعلمه فابيعه بِدِرْهَمَيْنِ فأرد درهما إِلَى الخوص واستنفق درهما أحب أَن آكل من عمل يَدي فَبَلغنَا وَنحن بِالْمَدِينَةِ أَن رجلا خرج بِمَكَّة يزْعم أَن الله أرْسلهُ فَمَكثْنَا مَا شَاءَ الله أَن نمكث فَهَاجَرَ إِلَيْنَا