للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بويع له بالخلافة بعد موت يزيد بن معاوية سنة أربع وستين، وغلب على أهل الحجاز واليمن والعراق ومصر وأكثر الشام؛ فأقام في الخلافة تسع سنين؛ إلى أن قتله الحجاج في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، وصلبه، وأقبل عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما حتى وقف حذاء عبدالله بن الزبير، فنظره مصلوبا منكسا فتأمله ساعة وبكى واستغفر له وقال: "والله يا ابن الزبير لئن علتك رجلاك اليوم فطال ما قمت عليها في ظل الليل بين يدي ربك، وإني لأسمع قوما يزعمون أنك شر هذه الأمة، ولقد أفلحت أمة أنت شرها، وانصرف عبدالله بن عمر إلى منزله، وأقبلت إليه أمه في اليوم الثالث حتى وقفت قبالته ثم بكت وقالت: اللهم! إني راضية عنه فارض عنه، ثم أقبلت حتى دخلت على الحجاج فوقفت عليه ثم قالت: يا حجاج، أما آن لهذا الراكب أن ينزل؟ ، فقال الحجاج: أما روحه فإلى مالك، وأما جثمانه ففي طريق البلاء.

فقالت: كذبت يا حجاج! إن الله تبارك وتعالى في ذلك أعدل من أن يجمع على ابني سيف القاسطين وثأر الظالمين، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: يكون في أمتي رجلان: أفاك ومبير، فأما الأفاك فصاحبك عبدالملك بن مروان، وأما المبير فأنت يا حجاج، فقال: صدقت يا أسماء؛ أنا مبير المنافقين (١)، فقالت: عملك شاهد عليك، ثم ولت وهي باكية، فرق لها الحجاج وأمر بابن الزبير فأنزل عن خشبته وحمل إليها، فأمرت به فصب عليه الماء وحنط وكفن وصلي عليه ودفن - رضي الله عنه - (٢).


(١) كفى بالحجاج شرا أنه قتل ابن الزبير الصحابي الجليل، وسعيد بن جبير سيد التابعين رحمه الله، فضلا عن غيرهم كثير، وأمره إلى الله.
(٢) حسن المحاضرة في تأريخ مصر والقاهرة ١/ ٢١٢، وتأريخ مصر والقاهرة ١/ ٢١٣، والفتوح لابن أعثم ٦/ ٣٤٣.

<<  <   >  >>