للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانت خلافة المأمون عشرين سنة وخمسة أشهر وثلاثة وعشرين يوماً سوى أيام دعي له بالخلافة، وأخوه الأمين محصور ببغداد (١).

ومن سيئاته أن قامت في عهده فتنة القول بخلق القرآن وأراد حمل الناس على القول بذلك متأثرا بخلصائه وأصفيائه من المعتزلة، ومنهم بشر بن غياث المريسي أشهر القول بخلق القرآن، وشبَّه على المأمون واستقوى به على الناس ودعا الناس إلى موافقته على قوله ومذهبه، ودفع الناس إلى محنة الدخول في هذا الكفر والضلالة، ففزع الناس من مناظرة المريسي، وأحجموا عن الرد عليه، فقد ناصره المأمون على ذلك، فأرهب الناس واستتر المؤمنون في بيوتهم وانقطعوا عن الجُمعات والجماعات، وهرب البعض من بلد إلى بلد خوفا على أنفسهم وعقيدتهم، وكثرت موافقة الجهال والرعاع من الناس لبشر على مذهبه وكفره وضلالته.

وقد جرت المناظرة في هذه المسألة بين بشر المريسي، وعبدالعزيز الكناني رحمه الله، وأورد الكناني الأدلة القاطعة الدامغة لمن ينتحل هذه الفكرة بأسلوب أدبي علمي عجيب، دل على سعة علم الكناني ومعرفته لكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وانتزع من الكتاب والسنة الحجج القطعية التي أبطل بها مذهب الجهمية والمعتزلة ومن يقول إن القرآن مخلوق، وقد دونت هذه المناظرة في رسالة سميت "الحيدة والاعتذار".

ولما دعا المأمون إلى القول بخلق القرآن، وكان الإمام أحمد في السجن ببغداد، وطلبه للمناظرة ولكنه مات قبل أن يصل الإمام أحمد إلى الشام قادما من بغداد.


(١) تأريخ الطبري ٨/ ٥٢٧، وأخبار الدولة العباسية ١/ ٤١٢، والمختصر في أخبار البشر ٢/ ٣٢.

<<  <   >  >>