للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان بلغه أن امرأة هاشمية صاحت، وهي أسيرة في أيدي الروم: وامعتصماه! فأجابها وهو جالس على سريره: لبيك لبيك! ونهض من ساعته، وصاح في قصره: النفير النفير، ثم ركب دابته، وسمط خلفه شكالا، وسكة حديد، وحقيبة فيها زاده، فلم يمكنه المسير إلا بعد التعبئة وجمع العساكر، فجلس في دار العامة، وأحضر قاضي بغداد، وهو عبدالرحمن بن إسحاق، وشعبة بن سهل، ومعهما ثلاثمائة وثمانية وعشرون رجلا من أهل العدالة، فأشهدهم على ما وقف من الضياع، فجعل ثلثا لولده، وثلثا لله تعالى، وثلثا لمواليه.

هدد ملك الروم المعتصم فكتب المعتصم إليه جوابا قال: "الجواب ما ترى لا ما تسمع، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار، والسلام".

وقيل: إن رجلا وقف على المعتصم حال شربه وقال يا أمير المؤمنين كنت بعمورية وجارية من أحسن النساء أسيرة قد لطمها على وجهها علج فقالت: "وامعتصماه" فقال لها العلج: عساه أن يأتيك على خيل بلق، فلما سمع المعتصم كلامه أمر بالختم على الكأس وقال وقرابتي من رسول الله لا شربته حتى أغزوه ثم سار إليه على الخيل البلق فعسكر بغربي دجلة لليلتين خلتا من جمادى الأولى، وهذا الخبر أقرب للواقع.

فلما ظفر المعتصم ببابك قال: أي بلاد الروم أمنع وأحصن؟ فقيل: عمورية لم يعرض لها أحد منذ كان الإسلام، وهي عين النصرانية، وهي أشرف عندهم من القسطنطينية.

فسار المعتصم بسُرَّ مَنْ رأى، وقيل: كان مسيره سنة اثنتين وعشرين ومائة، وقيل: سنة أربع وعشرين.

<<  <   >  >>