قرئ عليه حرفا حرفا، فأقرّ بفهمه ومعرفة ما فيه طائعا غير مكره، وذلك يوم الاثنين لثلاث بقين من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين.
فوقّع المعتزّ في ذلك: أقرّ أبو عبدالله بجميع ما في هذا الكتاب وكتب بخطّه، يوم الأربعاء لثلاث ليال بقين من رجب سنة خمس وخمسين مائتين.
قلت: هذا الكتاب ينقضه ما جرى للمعتز، على يدي الأتراك، والغمز فيه ظاهر، يؤيد هذا ما ورد ضمنه عبارة " بعد أن قرئ عليه حرفا حرفا " ولا أشك في أنه من تدبير الغالب على الأمر والقيم بالتدبير صالح بن وصيف، وموسى بن بغا الكبير، وهما المتآمران على المعتز، غير أن بغا أنكر ما جرى على المعتز لما قدم على المهتدي من الري وكان عاملا عليها، ورده المهتدي من حيث أتى, وجرت بينهما وبين المهتدي مواقف انتهت بقتل صالح، والتصالح مع بغا، أخذ كل واحد منها على صاحبه الأيمان والمواثيق بالوفاء والمناصحة.
وكانت خلافة المهتدي كلها إلى أن انقضى أمره أحد عشر شهرا وخمسة وعشرين يوما، وعمره ثمان وثلاثون سنة وكان رحب الجبهة، أجلح، جهم الوجه، أشهل، عظيم البطن، عريض المنكبين، قصيرا، طويل اللحية.
وقيل: كان أسمر رقيقا أجلى، رحب الوجه، حسن اللحية، أشهل العينين، عظيم البطن، عريض المنكبين، قصيرا، طويل اللحية، أشيب.
وكان المهتدي من أحسن الخلفاء مذهبا، وأجملهم طريقة، وأظهرهم ورعا، وأكثرهم عبادة، ورعاً تقياً متعبداً عادلاً شجاعاً قوياً في أمر الله تعالى خليقاً للإمارة، لكنه لم يجد ناصراً ولا معيناً على الخير.
وقيل: إنه سرد الصوم مدة إمرته، وكان يقنع بعض الليالي بخبز وخل، وزيت، وكان يشبه بعمر بن عبدالعزيز، وورد أنه كان له جبة صوف وكساء يتعبد فيهما