إلى أذاه والتسلط عليه، ولكنه لا تنقاد إليه انقيادها لمن يؤثرها، وصاحب الاستئثار النفوس إلى أذاه والتسلط عليه أسرع من السيل في حُدُوِرِه، وهل أزال الممالك وقلعها إلا الاستئثار؟!، فإن النفوس لا صبر لها عليه، ولهذا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالسمع والطاعة لولاة الأمر وإن استأثروا عليهم، لما في طاعة المستأثر من المشقة أو كره الاستئثار.
الثاني: النفرة من أخلاق اللئام، ومقت الشح وكراهته له.
الثالث: تعظيم الحقوق التي جعلها الله سبحانه وتعالى للمسلمين بعضهم على بعض، فهو يرعاها حق رعايتها، ويخاف من تضييعها، ويعلم أنه إن لم يبذل فوق العدل لم يمكنه الوقوف مع حده، فإن ذلك عسير جدًّا، بل لا بد من مجاوزته إلى الفضل أو التقصير عنه إلى الظلم، فهو لخوفه من تضييع الحق والدخول في الظلم يختار الإيثار بما لا يُنْقِصُه ولا يضره، ويكتسب به جميل الذكر في الدنيا وجزيلَ الأجر في الآخرة، مع ما يجلبه له الإيثار من البركة وفيضان الخير عليه، فيعود عليه من إيثاره أفضل ما بذله، ومن جرَّبَ هذا عرفه، ومن لم يجربه فليستقرئ أحوال العالم، والموفق من وفقه الله سبحانه وتعالى.
الإيثار المتعلق بعبادة الله:
والإيثار المتعلق بالخالق أجَلُّ من هذا وأفضل، وهو إيثالر رضاه على رضا غيره، وإيثار حبه على حب غيره، وإيثار خوفه ورجائه على خوف غيره ورجائه، وإيثار الذل له والخضوع والاستكانة والضراعة والتملق على بذل ذلك لغيره، وكذلك إيثار الطلب منه والسؤال وإنزال الفاقات به على تعلق ذلك بغيره، فالأول آثر بعض العبيد على نفسه فيما هو محبوبٌ له، وهذا آثر الله على غيره، ونَفْسُه من أعظم الأغيار، فآثر الله عليها فترك محبوبها لمحبوب الله.