أحدهما: فعل ما يحب الله وإن كانت النفس تكرهه وتهرب منه.
الثاني: ترك ما يكرهه ربه وإن كانت النفس تحبه وتهواه.
فبهذين الأمرين يصح مقام الإيثار، ومؤنة هذا الإيثار شديدة لغلبة الأغيار وقوة داعي العادة والطبع، فالمحنة فيه عظيمة والمؤنة فيها شديدة والنفس عنه ضعيفة، ولا يتم فلاح العبد وسعادته إلا به، وإنه ليسيرٌ على من يسره الله عليه، فحقيقٌ بالعبد أن يسمو إليه وإن صعب المرتقى، وأن يشمر إليه وإن عظمت فيه المحنة، ويحتمل فيه خطرًا يسيرًا لمُلْكٍ عظيم وفوزٍ كبير؛ فإن ثمرة هذا في العاجل والآجل ليست تشبه ثمرة شيء من الأعمال، ويسيرٌ منه يُرَقَّى العبد، ويسيِّره ما لا يرقي غيرُه إليه في المُدَدِ المتطاولة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ولا تتحقق المحبة إلا بهذا الإيثار.
والذي يسهله على العبد أمور:
أحدها: أن تكون طبيعته لينة منقادة سلسة ليست بجافية ولا قاسية، بل تنقاد معه بسهولة.
الثاني: أن يكون إيمانه راسخًا ويقينه قويًا، فإن هذا ثمرة الإيمان ونتيجته.
الثالث: قوة صبره وثباته. اهـ كلام ابن القيم -عليه رحمة الله-.
ومشهد الإيثار مشهد عظيم رائع، يظهر في رمضان أكثر من غيره، فإن مجرد تركك للطعام والشراب رغم شهوتك الشديدة إلى تناوله طلبًا لرضا الله؛ هذا هو معنى الإيثار، فاشهد هذا المشهد، وعامل الله به دومًا، وقد ذكر لك الإِمام معاني الإيثار بالتمام والكمال، فما بقي عليك إلا العمل بعد الفهم العميق للكلام، هذه هي العبادة؛ فهل من سألك؟!