التالي أهلًا له، فكيف يُطْلَبُ الإنس بالفكر في غيره وهو متنزه ومتفرج، والذي يتفرج في المتتزهات لا يتفكر في غيرها، فقد قيل: إن القرآن ميادين، وبساتين، ومقاصير، وعرائس، وديابيج، ورياض.
فإذا دخل القارئ الميادين، وقطف من البساتين، ودخل المقاصير، وشهد العرائس، ولبس الديباج، وتنزه في الرياض، استغرقه ذلك وشغله عما سواه، فلم يعزب قلبه، ولم يتفرق فكره.
(٤) التدبر:
وهو وراء حضور القلب، فإنه قد لا يتفكر في غير القرآن ولكنه يقتصر على سماع القرآن من نفسه، وهو لا يتدبره، والمقصود عن القراءة التدبر؛ ولذلك سُنَّ الترتيل في الظاهر ليتمكن من التدبر بالباطن.
قال عليٌّ - رضي الله عنه -: لا خير في عبادة لا فِقه فيها، ولا في قراءةِ لا تدبر فيها.
وإذا لم يتمكن من التدبر إلا بترديد الآية فليردد إلا أن يكون خلف إمام، فإنه لو بقي في تدبر آية وقد اشتغل الإِمام بآية أخرى كان مسيئًا، مثل من يشتغل بالتعجب من كلمة واحدة ممن يناجيه عن فهم بقية كلامه، وكذلك إن كان في تسبيح الركوع وهوِ متفكر في آية قرأها إمامه فهذا وسواس.
روي عن عامر بن عبد قيس أنه قال: الوسواس يعتريني في الصلاة، فقيل: في أمر الدنيا؟، فقال: لأن تختلف فيَّ الأسنة أحب إليَّ من ذلك؛ ولكن يشتغل قلبي بموقفى بين يدي ربي -عز وجل-، وأني كيف، أنصرف، فَعَدَّ ذلك وَسْواسًا، وهو كذلك؛ فإنه يشغله عن فهم ما هو فيه، والشيطان لا يقدر على مثله إلا بأن يشغله بمهم ديني، ولكن يمنعه به عن الأفضل.
وعن أبي ذر قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنا ليلة فقام بآية يرددها وهي: