الْبَصِير} [الشورى: ١١]، وكقوله تعالى:{هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الحشر: ٢٣]، فليتأمل معاني هذه الأسماء والصفات لينكشف له أسرارها، فتحتها معانٍ مدفونة لا تنكشف إلا للمُوَفقين، وإليه أشار عليٌّ - رضي الله عنه - بقوله لما سئل: هل عندكم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء سوى القرآن؟، فقال: لا والذي خلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطي الله عبدا فهما في كتابه.
وأما أفعاله تعالى فكذكره خلق السموات والأرض وغيرها، فليفهم التالي منها صفات الله -عز وجل- جلاله، إذا الفعل يدل على الفاعل فتدل على عظمته.
وأما أحوال الأنبياء - عليهم السلام -: فإذا سمع منها كيف كُذِّبوا وضُربوا وقُتِلَ بعضهم؛ فليفهم منه صفة الاستغناء لله -عز وجل- عن الرسل والمرسَلِ إليهم، وأنه لو أهلك جميعهم لم يؤثر في مُلْكه شيء، وإذا سمع نصرتهم في آخر الأمر فليفهم قدرة الله -عز وجل- وإرداته لنصرة الحق.
وأما أحوال المكذبين، كعاد وثمود وما جرى عليهم، فليكن فهمه منه استشعار الخوف من سطوته ونقمته، وليكن حظه منه الاعتبار في نفسه، وأنه إن غفل وأساء الأدب واغتر بما أمهل فربما تدركه النقمة وتنفذ فيه القضية، وكذلك إذا سمع وصف الجنة والنار وسائر ما في القرآن، فلا يمكن استقصاء ما يفهم منه لأن ذلك لا نهاية له، وإنما لكل عبد من القرآن بقدر رزقه:{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}[الكهف: ١٠٩].
فالغرض مما ذكرناه التنبيه على طريق التفهيم لينفتح بابه، فأما الاستقصاء فلا مطمع فيه، ومن لم يكن له فَهْمٌ في القرآن ولو في أدنى الدرجات دخل في